الجمعة، 22 نوفمبر 2024

08:37 ص

سعيد علي
A A

لأن الله أراد.. "تليجراف مصر"

"لا يوجد شيء اسمه صدفة، أتدرون؟ هذه الكأس كان من المقرر أن تقام في الأرجنتين، لكن الله جلبه إلى هنا لنرفعه على ملعب ماراكانا كي يكون أكثر جمالا لنا جميعًا، فلنخرج بهدوء وثقة وسنأخذ الكأس معنا للبيت".. ميسي متحدثًا لزملائه في منتخب الأرجنتين قبل دقائق من انطلاق مباراة نهائي كوبا أمريكا التي توج بها في يونيو 2021.

حينما سُئل قبل مونديال الدوحة عن فرص الأرجنتين في التتويج باللقب، عاد يقول: "هناك منتخبات جيدة للغاية، ربما أفضل منا نستطيع أن نهزمها نعم، لكن الأهم من ذلك، ماذا يريد الله؟".

ظل ميسي اللاعب الخارق في نظر الجميع منذ ظهوره، يقوم بالأشياء المستحيلة، يراوغ نصف فريق كاملًا، يسجل من زوايا الشيطان، يحطم كل الأرقام، فعل كل شيء بموهبة جبارة أحدثت تحولًا كبيرًا في كرة القدم، لكن شيئًا واحدًا وقف عائقًا أمامه، وهو عدم تتويجه بلقب مع منتخب الأرجنتين سنوات طوال.

حين جاءت اللحظة الفارقة في "ماراكانا" ليلة التتويج بالكوبا، أول بطولة له مع "التانجو"، ومن بعدها الفوز بمونديال الدوحة، كان العامل المشترك الذي وجدته في عقل ميسي: "أن الله أراد".
كنت في 2019 قد أعدت طريقة تفكيري في تحليل المباريات ومعطيات كرة القدم، رأيت جوارديولا يفعل مع مانشستر سيتي كل شيء أمام توتنهام، لكنه بالنهاية يودع دوري الأبطال وهو الطرف الأفضل.

في طريقي من جريدة "الدستور" بجاردن سيتي إلى سكني في الشارع المقابل سعد زغلول، وجدتني أنظر للسماء وأتساءل: "لماذا لا يريد الله دوري الأبطال لبيب.. أليس هو الأفضل بإجماع منافسيه".

كان الجواب المختصر والذي تقف وراءه تفاصيل كثيرة، جعلتني أعيد النظر في الحياة عمومًا، أن الحياة ليست بالكفاءة وحدها، ولا الذكاء الفطري الخارق، ولا الموهبة الاستثنائية، ولا الاجتهاد، كلها عوامل مساعدة، لكن  قبل كل شيء علمي يقاس بدقة، هناك شئ أهم "أن يريد الله"، لم يفز ميسي سوى حينما رأى قدرة الله، لا استثنائيته.

أصبحت قاعدة عملية في حياتي، وأنا أبحث عن أي منجز جديد وقبل أي تخطيط، اسأل عن توفيق الله، أقلب في دفاتري، كم أنا مذنب؟، وكم تهدد ذنوبي فرص نجاحي؟ ماذا يتوجب علي ليعينني الله؟، وماذا يمكنني أن أصلح حتى يرافقني النجاح؟

لم أكن وحتى اللحظة شخصًا متدينًا، ما زلت غارقًا في أخطائي كما الجميع، لكن أصبح يشغلني في كل خطوة نفس التساؤل الذي يشغل ميسي: "ماذا يريد الله؟".

حينما اتصل بي زميلي وأخي الأكبر محمد فودة من الإمارات قبل شهور ليطلعني على تجربة جديدة ويرشحني لإدارة قطاع الرياضة في "تليجراف مصر"، وجدتني بعد نهاية مكالمة طويلة أحدث نفسي وأنا أعود لنفس النظرات للسماء ضاحكًا: "لقد ذهبت إلى الإمارات هربًا من الاكتئاب الحاد بعد وفاة أمي وشقيقي الأكبر، لكن الله ساقني لمقابلة فودة.. على ما يبدو أنه أراد لي تليجراف مصر".

لم يكن لي سابق معرفة بـ"فودة" لكني وجدت شخصًا في غاية الذكاء، في أول لقاء حللني مهنيًا كما أرى نفسي نصًا، تابعني في تلفزيون "المصري اليوم" مرات قليلة، لكنه ذكر جميع عيوبي قبل مميزاتي والتي كانت محل إشادة واسعة عنده.

هكذا عهدته منذ اللحظة الأولى، عميق الرؤية، لماح، ذكي، واسع المعرفة والثقافة، و"إنجليزي المعاملة" كما نصنفه جميعًا في مجلس التحرير الآن، والأهم عندي أنه يجمع بين تشابهات كثيرين ألهموني في حياتي.

يشبه جوارديولا وميسي، لا في تذوق كرة قدم جميلة أورثها نجليه أدهم وعمر نجمي الغد اللذين يبدعان هناك في الدوري الإماراتي، وينتظرهما مستقبل كبير بإذن الله، بل في بحثه عن المثالية في العمل والحياة، هكذا دائمًا يدفعني نحو الكمال، لا يقبل بقصور، كانت فترة تجهيز مرهقة للغاية، لقد أذلني زميلي أحمد النوبي بسبب ملاحظات فودة الحادة والتي لا تخلو من حسّ باسم يوسف في السخرية والنقد اللاذع.

يشبه شقيقي الأكبر "أبوهادي" رحمه الله - أول ملهم في حياتي- في وعيه بالحياة، ودعمه، وثنائه، وكلماته الجميلة، يحدثني عن كل تفصيلة بعد الهواء، كنت رائعا في كذا، ينقصك كذا، نستطيع تطويره بطرق كذا وكذا، ثم يطغو الحس الأخوي "مقاسك كام في البليزر، لازم تواصل التألق ونجدد على طول، أنت هتبقى مشروع عظيم".

ليس أخًا لي وحدي، هو يخاطب كل الفريق هكذا، نحن ننتظر بدلة أول عريس في “تليجراف”، زميلنا أحمد النوبي، من عنده في دبي، مثلما وعد، كل شيء فعله معي ومعهم، جعلني أعود وأردد ما قاله ميسي: "لقد أرادها الله هنا".

في أول اجتماع مع الأستاذ سامي عبد الراضي، رئيس التحرير، كانت أول قاعدة أرساها: "نحن سنعمل كعائلة واحدة، سلاحي الأقوى الترابط، والعمل الجماعي، أن نكون قلبًا واحدًا في كل شيء".

بعثت كلماته هذه اطمئنانًا كبيرًا لدي، ربما لأني افتقد الأب والأم والأخ الأكبر، أحارب وحيدًا في مناحٍ كثيرة سيأتي وقت لشرحها.

وربما لأني أعلم مسبقًا إنني افتقدت إلى المدرسة الأم "المصري اليوم"، تلك التي تخرجت منها، وفودة، وعبدالراضي، مع حفظ الألقاب، ورسخت روح العمل الجماعي، ورفعت شأن المؤسسية فوق الأفراد، لقد افتقدتها كما افتقدت أغلى ما أملك، وعلى ما يبدو أنني أعود مع قادتها وصناعها، إلى قواعد التميز التي صنعتها، وروح الفريق التي سادت منهجها، مصحوبة بمدخلات العصر، وخبرات اكتسبناها جميعًا في محافل عدة.

في "16 شارع مصدق" أمام أسانسير صحيفتي "الدستور" و"الوطن"، قال لي أستاذي وزميلي العزيز إيهاب الخطيب، رحم الله والده، الذي غادر عالمنا مؤخرًا: "سامي عبدالراضي، واحد من قلائل في مصر يقودون بمفهوم العائلة، ناهيك عن المهنية، هو إنسان قلما تقابله".

يعيبون عليه فرطه في العطاء - عدا رواتبه- وشعوره بالمسؤولية الزائدة تجاه الآخرين، تركيزه على الجانب الإنساني، لكني مثله في الإدارة، أؤمن تمامًا بقيمة المشاعر، لقد قرأت في مسيرة جوارديولا منذ بدايته أن العاطفة أقوى سلاح يمكن أن تبني به، وهكذا وجدت الطريق في تجارب سابقة، إذا جعلتني أحب عملي وأؤمن بقيمته، سأكون أكثر الناس إخلاصًا لك، سأعطيك أكثر من 100% مما لدي، لست ممن يساقون، لقد ولت سياسات الاستعباد التي أراها حولي في صحف ومواقع كثيرة، ولا أطيق فكرة معاملة البشر كماكينات، هنا وجدتني أعود مرة أخرى لمقولة ميسي: "لقد أرادها الله هنا".

وأنا أبحث عن فرص نجاح تجربتنا الجديدة وفقا لمعطياتها والسوق حولنا، وجدت أننا نشهد عصرًا جديدًا برزت فيه مواقع شابة لزملاء شباب يتألقون ويبدعون وتتسع المساحة لهم بشكل كبير يومًا تلو الآخر، في ظل دعم الدولة لبروز مساحات وتجارب بأفكار ورؤى عصرية تواكب التطور والحداثة حولنا، وأثق بأن جميعهم سيكونون صناع صحافة المستقبل مثلما لعبوا دورًا محوريًا في الحاضر، كان العامل المشترك في مسيرتهم جميعًا، أنهم كانوا أعضاء مميزين في فريق "عبد الراضي" ذات يوم، لقد نجحوا جميعًا بنسب متفاوتة، لكن إذا حقق التلاميذ هذا النجاح وبإمكانيات أقل، فماذا ينتظر الأستاذ بإمكانيات أعلى؟.. هنا وجدتني مرة أخرى أقول: "لقد أراد الله.. تليجراف مصر".

ربما نصل إلى ما نربو إليه وهو طموح بلا سقف، يحلم كل من هنا بتغيير حال الصحافة، بالقيادة، بأن ننطلق مما انتهى منه الآخرون مثلما قال رئيس التحرير في أول اجتماع لنا، وربما لا يصاحبنا التوفيق، لكني ما زلت أبحث عما يريده الله.

كانت العلامة الأخيرة، حينما زرت المقر، 1 ميدان المحطة في المعادي، الدور الأول، كل شيء يقول "إن الله أراد تليجراف مصر في الصدارة التي تليق بنا، وطموحنا قيادات وشباب هذا المكان، الذين تلمع عيونهم بحماسة كبيرة، فاللهم كما زرعت هذا في نفوسنا يسّره لنا، واكتب لنا توفيقك، مثلما وفقت ميسي وجوارديولا".

أخبار متعلقة

ميلاد جديد للكلمة

17 ديسمبر 2023 07:35 م

الخبر وحده لا يكفي!

17 ديسمبر 2023 07:57 م

الحلم

17 ديسمبر 2023 06:54 م

title

مقالات ذات صلة

search