الخميس، 19 سبتمبر 2024

06:32 ص

فريد الأطرش.. "الشقيّ" يشتري العذاب ويلحّنه

المطرب والملحن الكبير فريد الأطرش

المطرب والملحن الكبير فريد الأطرش

نورهان الصوالحي

A A

عُدت يا يوم مولدي.. عُدت يا أيها الشقي. الصبا ضاع من يدي.. و غزا الشيب مفرقي".. بمجرد أن تسمع صوته القوي المشحون بالعواطف، ومن ورائه الخلفية الموسيقية الحزينة، تستحوذ عليك مشاعر متقلّبة وأسئلة عديدة.
من هذا الشقيّ الذي ودّع في لحظة صباه، ليكتشف أن الشيب غزا رأسه.. من هذا الشقيّ؟ إنه فريد الأطرش الذي تحلّ ذكرى وفاته اليوم 26 ديسمبر، قبل 49 عاما (1974).

"أشتري الحبّ بالعذاب أشتري فمن يبيع. أنا وهم.. أنا سراب".. كلمات ثقيلة صاغها كمال الشناوي عن جدوى الحياة، ووجدت طريقها إلى فريد الأطرش، بعد تردد محمد عبد الوهاب في تلحينها. كأنها كتبت لفريد الأطرش فقط، لتنطق بعذابه وتألّمه.

"عدت يا يوم مولدي".. قال عنها فريد في إحدى حفلاته إنها تتناسب مع فنه ومع حالته النفسية، استطاع أن ينقل العاطفة والحنين من خلال ترجمة الكلمات المؤثره إلى لحن يلامس القلوب ويعبّر عن شخصيته الحزينة، التي يقف وراءها محطات صعبة ومؤلمة في حياته، تحدّث عنها مقرّبوه وأصدقاؤه في لقاءات تليفزيونية وإذاعية عدة.

اختفاء الأب

هو الأمير فهد الأطرش (غير اسمه لاحقا)، ولد في قريا بمنطقة جبل الدروز بمدينه السويداء في 21 أكتوبر 1917 لدى عائله هي التي أسست الثورة ضد الاحتلال الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى.

عانى أبواه كثيراً وفقدا اثنين من أطفالهم بسبب المرض لكثرة التنقل بين المدن للكفاح ضد الاحتلال، خافت الأم على أبنائها المتبقيين، مما اضطر الأميرة علياء المنذر إلى الهرب به هو وإخوته من سوريا إلى القاهرة،  ولكن ظلوا مهددين بالاعتقال، وفي هذه الأثناء لم يتسن له رؤية والده، وهذا ما أثر في طفولته كثيراً. 

اضطرت الأميرة علياء إلى النزول للعمل حتى تستطيع الصرف على أبنائها الثلاثة بعد أن انقطع سبل الوصول إلى الوالد ونفدت الأموال معهم، فعملت بالغناء في المسارح وغيّرت كُنيتهم حتى لا يتعرف أحد عليهم. 
ومع مرور الأيام وضيق الحال، اضطر فريد للعمل بجانب الدراسة، فعمل بتجارة الأقمشة حتى يحصل على مصروفاته  للتعلم بمعهد الموسيقى.

يقف وراء حزن فريد الأطرش محطات صعبة ومؤلمة في حياته

فراق توأم الروح

جاءت فاجعة وفاة أخته الفنانة الشهيرة أسمهان التي توفيت في مقتبل عمرها في حادثة  دارات حولها كثير من الشكوك، وترجيح أن تكون قد اغتيلت بتخطيط من أطراف خارجية. كانت وقع الحادثة ثقيلا على فريد، لا نتحدث هنا عن وفاة شقيقة عادية، فهي كانت تؤام روحه وصديقته. لم يصدّق فريد الخبر في بادئ الأمر وظن أنها مجرد إشاعة وظل في حالة نكران للأمر، ولكن عندما تيقّن من حقيقة فراقها دخل في حالة من الحزن والبكاء لأيام حتى انتهي به الأمر بوصف الحادث بالطبيعي!  
لم يتفهم الكثير لماذا أراد فريد إغلاق ملف القضية، ولكن في حقيقة الأمر كان فريد يريد إغلاق ملف التدخل في الحياة الشخصية.

ظل فريد الأطرش في حالة نكران لوفاة شقيقته وتوأم روحه أسمهان


“مقبرة للحب”

جاءت المحطة الأكثر ألماً في حياة فريد، وهي عدم قدرته على النجاح في الحصول على بيت وأسرة وأولاد، على الرغم من قصص حبه العديدة ووسامته وعشق كثير من المعجبات له فإنه لم يتزوج قط.  أبرز قصص حبه كانت الفنانة سامية جمال التي أحبته وظلت بجانبه حتى وفاته، ولكنه لم يتزوجها  لاعتقاده أن زواج الفنانين لا ينجح وأن "الزواج مقبرة الحب".
لم تقف قصص حبه للفنانات عند هذه التجربة، كادت تنجح له محاولة مع "دلوعة السينما المصرية"، شادية، ولكن اختلفا في نهاية الأمر ولم يتزوجا.  


"محاولة للحاق بالحياة"


طاحت به الأيام ودبّ الشيب في رأسه ووجد نفسه وحيداً دون زوجة أو أبناء، كأنه يسير على هدى أغانيه، "وعشت عمري ويا الناس وقلبي ملوش مكان في الدنيا دي". ولكن بعثت له الحياة بفرصة أخيرة فوقع في حب فتاة تُدعى "سلوى القدسي"، ولكن في النهاية فرّق المرض بينهما، ومات بين بيديها.

"أنا سراب"


سنوات قضاها فريد الأطرش في إسعاد مستمعيه، ولكنه في حقيقة الأمر افتقد هذه السعادة في حياته، وفي مراحله الأخيرة أصيب بمرض القلب الذي أدى لتدهور حالته الصحية سريعاً وأصيب بثلاث جلطات في القلب، وهذا ما أدخله في حالة نفسية سيئة، وكان يتهرّب من الصحافه والناس ولا يريد أن يراه أحد على هذه الصورة حتى رحل في سلام عام 1974 تاركاً ألحانا تنبض بالحياة والحيوية والطرب، تحمل لمسته الخاصة جدا، لمسة ملك العود ومروّضه، الفريد "فريد الأطرش".

دبّ الشيب في رأس فريد الأطرش ووجد نفسه وحيداً دون زوجة أو أبناء
search