السبت، 05 أكتوبر 2024

05:13 م

2024.. اختناقات سياسية تفاقم التضخم العالمي

التضخم العالمي - تعبيرية

التضخم العالمي - تعبيرية

ولاء عدلان

A A

تستعد البنوك المركزية الكبرى حول العالم لإعلان النصر في معركتها ضد التضخم خلال العام الجديد لتكبح أسعار الفائدة المرتفعة رويدا رويدا، إلا أن الرياح تجري غالبا بما لا تشتهي السفن وقد لا تكون معدلات التضخم تحت السيطرة كما يود صناع السياسات النقدية وسط تصاعد المخاوف بشأن تقلبات أسعار الطاقة والسلع على وقع اختناقات جديدة بسلاسل الإمداد العالمية.. فهل يعود العالم إلى دائرة التضخم المتصاعد؟    


يحذر الخبير الاقتصادي خالد الشافعي من أن الاختناقات التي بدأت تظهر في ممرات الملاحة العالمية خلال الأشهر الأخيرة، سواء تلك الناجمة عن جفاف قناة بنما أو هجمات الحوثي في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، من شأنها أن تهدد العالم في 2024 بتصاعد الضغوط التضخمية، بعد أن بدأت تتراجع خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر الحالي في غالبية الاقتصادات الكبرى بصدارة أمريكا الذي تباطأ فيها معدل التضخم في نوفمبر إلى أدنى مستوياته منذ مارس 2021 مسجلا  2.6%. 
يوضح الشافعي أن شركات الشحن العالمية اضطرت منذ 19 نوفمبر الماضي لتحويل مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح لتجنب عبور قناة السويس مع تصاعد هجمات الحوثي واستمرار حرب غزة، ما رفع تكاليف الشحن البحري وكذلك تكاليف التأمين على السفن. 


خطر جديد 


يستبعد الشافعي أن تتراجع تكاليف الشحن والتأمين على السفن خلال العام الجديد في ظل تزامن التوترات في البحر الأحمر مع أزمة جفاف قناة بنما التي ستجبر هيئة القناة على تخفيض متوسط عبور السفن بأكثر من 50% بحلول فبراير المقبل، مضيفا أن هذا التزامن بين الأزمتين سيعطّل سلاسل الإمداد حول العالم وستعاني أغلب البضائع المنقولة بحرا من تأخيرات في مواعيد استلامها، وكل هذا سيتم تمريره في النهاية للمستهلكين حول العالم على شكل ارتفاعات في الأسعار. 
يتفق معه أستاذ النقل بجامعة عين شمس الدكتور حسن مهدي، موضحا أن السفن العملاقة تستهلك نحو 250 طنًا من الوقود يوميًا، وبالتبعية أي تغير في مسارها كالتحول إلى طريق رأس الرجاء الصالح الذي يزيد مدة الرحلة تقريبا بـ10 أيام مقارنة بالعبور من قناة السويس، من شأنه أن يكبدها آلاف الدولارات الإضافية على تكلفة الرحلة الواحدة، ناهيك عن تكاليف التأمين الآخذة في الارتفاع بالتزامن مع استمرار توترات الشرق الأوسط. 
لنفهم الصورة أوضح، الرحلة من سنغافورة في قارة آسيا إلى هولندا في أوروبا تقطع عبر قناة السويس مسافة قدرها 8440 ميلا بحريا، هذا الرقم يرتفع إلى 11720 ميلا عبر رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي يفسر ارتفاع تكاليف الشحن من الصين إلى موانئ البحر الأحمر والعكس منذ نوفمبر الماضي بقرابة 325 دولارا للحاوية الواحدة. 
حذرت وكالة ستاندرد آند بورز في مذكرة حديثة من أن قطاع السلع الاستهلاكية سيتضرر بصورة مباشرة حال استمرار هجمات البحر الأحمر، التي تسببت منذ 19 نوفمبر في تعديل تواريخ وصول أكثر من 150 ناقلة إلى وجهات التسليم مع فرض رسوم إضافية على البضائع المشحونة من وإلى الشرق الأوسط، لتدفع واشنطن الإثنين الماضي لتشكيل تحالف دولي من أكثر من 20 دولة لتأمين حركة التجارة في البحر الأحمر، فباب المندب وحده يعبر من خلاله 40% من حركة التجارة العالمية. 
بالتزامن مع هذا التحرك الأمريكي، أعلن عدد من شركات الشحن الكبرى مثل ميرسك عن استئناف تسيير سفنها عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب في وقت قريب لم تحدده، إلا أن الشحن البحري في بعض النقاط الأخرى أيضا يشهد تهديدات، فالسبت الماضي أصيبت ناقلة قبالة سواحل الهند بهجوم عبر طائرة مسيرة.

إحدى سفن شركة الشحن العالمية ميرسك 


النفط يرتفع 


يرى خالد الشافعي أن استمرار خطر التوترات الجيوسياسية في أكثر من بقعة في العالم غير الشرق الأوسط كالحرب الروسية الأوكرانية والشد والجذب الراهن بين الصين وتايوان، من شأنه أن يعيد العالم إلى دائرة التضخم المرتفع في أي لحظة، كون هذه التوترات تسهم في رفع أسعار الطاقة العالمية وبالتبعية غالبية السلع. 
 

نهاية الشهر الماضي توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.7% خلال العام المقبل من المستوى المتوقع لهذا العام عند  2.9%، وسط مخاوف من استمرار ارتفاع التضخم عالميًا في ظل تداعيات حربي غزة وأوكرانيا على أسعار السلع الأساسية كالنفط والحبوب. 
يتوقع أستاذ هندسة البترول بجامعة فاروس بالإسكندرية، الدكتور رمضان أبو العلا، أن تقود هجمات البحر الأحمر وحرب غزة حركة أسعار النفط خلال الفترة المقبلة باتجاه الصعود على خلفية تصاعد مخاوف تعطل الإمدادت. يشار إلى أن البنك الدولي حذر في نهاية أكتوبر الماضي من أن أي اتساع لنطاق حرب غزة قد يؤدي إلى خفض إمدادات النفط بنحو 8 ملايين برميل يوميا، ويقفز بالأسعار إلى 150 دولار للبرميل من مستوياتها الحالية عند 81 دولار. 
توقعت وكالة فيتش في منتصف نوفمبر الماضي أن يرتفع متوسط أسعار النفط إلى 120 دولارا للبرميل خلال العام المقبل بشكل سيؤثر على النمو الاقتصادي ويغذي ارتفاعات الأسعار عالميا. 

ارتفاع أسعار النفط - تعبيرية


تعثر الاقتصاد العالمي 


رجحت مذكرة حديثة لشركة تشارلز شواب كوربوريشن الأمريكية للخدمات المالية، أن يتعثر الاقتصاد العالمي في العام المقبل نتيجة لعودة التضخم إلى مساره الصاعد بضغط رئيس من مشاكل سلاسل التوريد، وتحديدا أزمتي مضيق باب المندب وقناة بنما، فضلا عن تصاعد خطر التوترات الجيوسياسية  حول العالم وتقلبات أسعار الطاقة، خصوصا النفط الذي يتم نقله بحرا بمعدل 62% من إجمالي شحناته عالميًا.
من جانبه، يتوقع صندوق النقد الدولي تراجع معدلات النمو من 3% هذا العام إلى 2.9% خلال العام المقبل، وسط ما أسماه جمود التضخم الأساسي في إشارة إلى صعوبة تراجعه، وحذر الصندوق في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في أكتوبر الماضي من ارتفاع احتمالات حدوث قفزات في أسعار السلع الغذائية عالميا بسبب التغيرات المناخية والتوترات الجيوسياسية فضلا عن ارتفاع أسعار النفط على وقع شح المعروض بالأسواق العالمية. 
وحذر صندوق النقد من أن انسحاب روسيا من مبادرة حبوب البحر الأسود المسؤولة عن نقل المحاصيل الأوكرانية عبر موانئ البحر الأسود بأمان، قد يرفع أسعار السلع الغذائية الأساسية حول العالم بنحو 15%.
 

search