الخميس، 19 سبتمبر 2024

07:13 م

نعيبُ "أوبر" والعيبُ فينا

على خلفية حادثتي حبيبة الشماع، ونبيلة عواد، يطالب الآلاف بإغلاق تطبيق أوبر وأخواتها في مصر.

الأمر تجاوز حد إلغاء تثبيت البرنامج على الهواتف الشخصية، والمطالبات النظرية بإلغاء تراخيصها، إلى محاولة استصدار حكم قضائي بحظر عملها على طول البلاد وعرضها.

لماذا؟ لأن تلك الشركات تسمح بتشغيل أشخاص مهووسين جنسيًّا، وبالتالي يبادرون بالتحرش بالفتيات، وبمحاولة اختطافهن، أو اغتصابهنّ.

يا عيب الشوم يا ولاد! تحرش؟ اغتصاب؟

ما هذه المصطلحات الغريبة التي نسمع عنها لأول مرة؟ إسفوخس أيتها الأوبر، تبوّظين أخلاقنا! لولاك ما رأينا التحرش، ولا سمعنا عن الاغتصاب. غوري في ستين داهية، أنت والذين جابوك. دعي مجتمعنا المثاليّ بطهارته ونقائه ومثاليته التي لا تشوبها شائبة.

اقتلوا أوبر أو اطرحوها أرضا، يصبح الكوكب زيَّ الفل. وستبرأ مصر تماما من كل حاجة.

ما هذا يا هذا؟

ما الذي أقنعك أن المشكلة في أوبر؟

نفترض يا سيدي، قفلنا أوبر، وكل شركات النقل الذكي، ألن يفعلها سائق تاكسي أبيض؟ سنلغي التاكسي الأبيض. ألم يفعلها مجموعة من الشباب في أتوبيس نقل عام، وكانت حادثة اغتصاب جماعي هزت مصر؟ أوبااا.. إذن فلنلغِ النقل العام بالكامل.

افتح جوجل، اكتب في السيرش جملة: أب يعتدي على ابنته، خال يعتدي، عم، جد.. وتصفح العناوين.

هل صُدمت؟ علينا أن نلغي الآباء إذن! والأخوال، والأعمام، والأجداد. نلغي الناس جميعا.

المشكلة ليست في أوبر، بالعكس..

كل مشكلة تحدث، إنماها إشارة إلى مشكلة أكبر، بحاجة إلى تقصي ودراسة وفهم وعلاج ووقاية مسبقة. هذا ما تفعله الشعوب الحية، الواعية، الذكية، التي لا تمسك في خناق البردعة وتترك الحمار. الشعوب التي تعالج جذور الظاهرة، بعمق، لا تهوّل أعراضها لمجرد الصراخ.

السؤال الواجب هنا:

ما الذي يجعل مثل تلك الحوادث تتكرر؟

من الذي يتجرأ على جسد غيره؟ ولماذا؟ ما سيكلوجية تفكيره؟

هل لدينا مشكلة قوانين؟

هل الشركة تفعل ما ينبغي عليها فعله؟

هل لدى مجتمعنا مشكلة أعمق؟

ما مدى إحساس أي فتاة في مصر بالأمان؟ سواء في الشارع أو البيت أو العمل؟

هل تعاني المرأة في مصر من مشاكل أخرى من هذا النوع؟

أسئلة هادئة رزينة، عميقة، صحية، تساعدنا - كأشخاص وكمجتمع - على فهم الواقع، ومن ثم التعامل معه بما يليق، في سبيل أمان الجميع، حماية الجميع. الجاني المحتمل، والضحية المحتملة، لأنه حين لا يصير هناك "جاني" لن تكون هناك ضحية. هكذا يقول المنطق.

أوبر مجرد "سستم"، يسد فجوة كبيرة في سوق النقل، يمكن تطويره، وتأهيله، وتدارك نقائصه. وما "الكباتن" المتهمون في حوادث التعدي والتحرش تلك، إلا نتاج أمراض مجتمعية عميقة، متجذرة، نتجاهلها، ونمسك في أطرافها، وكأننا نتعمد "الشوشرة" كيلا نواجه أنفسنا بما هو أكثر أهمية وفداحة وقسوة وإلحاحا.

ودون علاج جمعي، جذري، تتشارك فيه مؤسسات الدولة بكاملها، من تعليم وإعلام وثقافة وصحة وداخلية ومساجد وكنائس ومجتمع مدني، فسنظل ندفع أثمان فادحة، من وجع أبنائنا وبناتنا، وأعمارهم، وإحساسهم بالأمان، وبالانتماء، في هذا البلد.

لكن، لعلنا حين نواجه الحقيقة، ونعالج جذور المشكلة، نحمي فتاة أخرى من أن تعيش مثل هذا الرعب مجددا، وبهذا تكون فعلا قد أخذنا بحق حبيبة ونبيلة وأخواتهما.

title

مقالات ذات صلة

search