الجمعة، 22 نوفمبر 2024

06:27 ص

محمد طاهر
A A

"الفاجرة"!.. اعدموا هدير عبد الرازق

(1)

اليوم، تم القبض على "البلوجر" هدير عبد الرازق، بتهمة التحريض على الفسق والفجور.

لا أعرف ما هو "الفسق والفجور" تحديدا، ومن الذي يقرر حدوده، وعلى أي أساس؟

يعني، هل قبلات الأفلام، مثلا، فسق وفجور؟

هل حضن عمرو دياب العلني للبنانية داليدا خليل، فسق وفجور؟

هل نشر ابنته صورة لها على كتف صديقها، فسق وفجور؟

بعد حفل عمرو دياب الأخيرة بالقرب من الأهرامات، ظهرت مقاطع فيديو لجماهير غفيرة، بملابس مرحرحة وكاشفة، ورقص، هل هذا "فسق وفجور"؟

لوردينا، قبل أن تصير لوردينا، ظهرت في وصلة رقص علنية، طوب الأرض في مصر شاف الفيديو، ليكون بداية شهرتها، هل هذا "فسق وفجور"؟

ل فساتين الفنانات في المهرجانات "فسق وفجور"؟

إن كان أيٌّ من هذا "فسق وفجور"، لم أسمع أن أحدهم ألقي القبض عليه بمثل هذا الاتهام. لماذا إذن نتجاوز مع هؤلاء، ونحاسب تلك؟

هل مايوهات الساحل "فسق وفجور"؟، وهل من العادي أن تلبسها فتاة على البحر، وتظهر في فيلم سينمائي يبث عبر السينمات والشاشات، لكن أن ترقص بها في فيديو عبر صفحتها، فهذا جريمة؟

بأي منطق يا أولاد الحلال؟

(2)

ليس فيما أقول انحيازٌ لهدير عبد الرازق، لم أعرف عنها قبل اليوم. وحين سألت جوجل، أجابني بفيض من الصور والفيديوهات، لم أحس إزاءه بالراحة، ولا الرضا.

وليس فيما أقول رفضا لقبلات الأفلام، ولا علاقات عمرو دياب الشخصية، وابنته، وهدوم الناس أيا كانوا، وأينما كانوا. أرى أن لباس الناس وعلاقاتهم وفكرهم ودينهم واختياراتهم، شأن يخصهم، وليس لأحد التدخل فيه. وعلى القانون أن يحمي حريتهم تلك، كما يحمي أجسادهم وممتلكاتهم.

لكن ما أود أن أقوله أن المنطق في مصر معوجّ، والحدود مستباحة، والازدواجية فجة، والقانون يساء استغلاله.

(3)

قبل شهور، ألقي القبض على صبية تدعى "سوزي الأردنية"، مراهقة في التاسعة عشر من عمرها، بدعوى "انتهاك حرمة الحياة الخاصة وسب والدها، واستغلال شقيقتها من ذوي الهمم لتحقيق الأرباح". لا أذكر أن والدها تقدم ببلاغ ضدها، يتضرر من انتهاك حياته، وسبه. ولم أكن أعرف أن من حق المجتمع سجن فتاة لأنها أهانت أباها، واستغلت شقيقها. ومن له الحق في التدخل في علاقة أسرية بهذا الشكل، وتوصيف علاقات أفرادها، واتهام أحدهم بناء على توصيفه، ومن ثم سجنه!!

يومها، وبينما كنت في محطة المترو، أتصفح أنباء القبض عليها، ودوافعه، كان بجواري شلة من 7 شباب، يمازحون بعضهم بألفاظ خادشة، لا أحب سماعها، يشتمون أمهات بعضهم البعض في حديثهم العادي، ويضحكون، ولا يبدو على أي منهم الانزعاج لأن صديقه ذكر والدته بسوء. يبدو وكأن اللغة "الأبيحة" فقدت عندهم معناها.

تكرر هذا ألف مرة، في الشارع، لا أذكر أنني سرت في شارع قاهري مرة، إلا واصطدمت أذني بألفاظ "أبيحة".. أتلفت في وجوه الناس حينها، فلا أرى الامتعاض، ولا التذمر، ولا الرفض. الكل متعايش بسلام.

لكن حين قالت سوزي لأبيها: "هعملك محضر ابن فاجرة"، قامت الدنيا ولم تقعد. وهاج المجتمع ثأرا لحيائه الذي خدشته سوزي.

(4)

تلك الروح "السلفية" في تناول ما يخص الفتيات في مصر، يحتاج إلى وقفة.

الأمر بحاجة إلى تعريف واضح، واتساق كامل. إما أن نخرج بـ تحديد تام المعالم، بتوافق مجتمعي، لكل ما يمكن أن يطلق عليه "فسق وفجور"، ثم نطلق يد القانون في حساب من يتجاوز تلك الحدود الواضحة المعلنة، أو أن نسيب الناس في حالها. وما لم يتوجه إليك أحد شخصيا بالأذى، فليس لك التضرر منه.

ومع تقديري الكامل لجهود الداخلية في حفظ الأمن، وتضحيات رجالها، إلا أن عليها أن تنتبه: هذا المنطق الأبوي في التعامل ليس مجديًا، على المدى البعيد. وهذه الضبابية في تفعيل القوانين، والانتقائية في تطبيقه، ترسخ نوعا آخر من الطبقية، كفيل بإفساد المجتمع، وتعزيز التمرد، ورفض القيم، كل القيم.

إن هذا يغرس في أذهان الأجيال رسالة واضحة: كن غنيا ومشهورًا، وسيحقّ لك ما لا يحق لغيرك.

(5)

ربما أخطأت هدير عبد الرازق، لكني لا أتضرر منها. ولا ينبغي لأحد أن يتضرر من فتاة لأنها رقصت، أو لبست، أو قلعت. وإلا فعليكم أولا أن تحاسبوا تاريخنا الفني بأكمله، وتلموها حضارة، ولنرجع جميعا إلى الخيمة، وإلى وأد الأنثى. فالمرأة تضحك، وهذا عيب، وترقص، وتغني، وتتدلع، وهذا اختراق لقيم المجتمع، ينبغي أن نمنعه بقوة. ولنعدم كل من يتجرأ عليه.

(6)

خطيئة هدير عبد الرازق، ليس أنها رقصت، أو شتمت، أو صورت فيديوهات. خطيئتها الكبرى أنها "فتاة"، وفي مصر، وبدون ظهر.

هذا وفقط.

title

مقالات ذات صلة

search