الأحد، 07 يوليو 2024

02:42 ص

السد العالي.. رحلة "النور" القادم من الجنوب

عداد كهرباء  في الظلام

عداد كهرباء في الظلام

ولاء عدلان

A A
سفاح التجمع

“الحكاية مش حكاية السد.. حكاية الكفاح اللي ورا السد.. حكايتنا إحنا”.. كلمات حجزت مكانها من الذاكرة عندما غنى العندليب أغنية "حكاية شعب"، في حفل أمام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بمناسبة الاحتفال ببناء السد العالي الذي وضع حجر الأساس له في 9 يناير عام 1960.

وتحتفل مصر اليوم الثلاثاء بمرور 64 عامًا على وضع حجر الأساس لأحد أعظم المشروعات الهندسية في القرن العشرين، الذي يعود له الفضل في دخول مصر عصر الطاقة الكهرومائية من أوسع بواباته وحمايتها من فيضانات النيل، المشروع الذي ظل لسنوات أحد أهم مصادر إنتاج الكهرباء في مصر. 

حكاية شعب 

الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي خلد حكاية ما وراء السد عندما قال في أيقونته المحفوظة عن ظهر قلب "جوابات حراجي القط": "في الراديو يا فاطنه يقولوا بنينا السد، لكن محدش قال السد بناه مين وبنوه كيف نايمين ولا قاعدين".. تأثير كلمات الأبنودي امتد لسنوات لاحقة ملخصًا ببراعة حال عمال السد العالي وما قدموه من إنجازات تتحاكى عنها الأجيال المتعاقبة.

فكرة السد لماذا؟

قبل 72 عامًا، بدأت مصر دراسات الجدوى لمشروع بناء السد العالي بمحافظة أسوان بغرض حجز مياه النيل وتوليد طاقة كهرومائية، لكن المرحلة الأولى من بناء المشروع تأخرت حتى التاسع من يناير عام 1960. 

الفكرة كانت بمثابة تهديد للقوى الاستعمارية في المنطقة لذا كان من الطبيعي أن تضع تلك القوى العراقيل أمام الصرح العظيم، وعندما طلبت مصر من البنك الدولي في 1954 تمويلا للسد، رُفض الطلب، لكن بعدها بعام تقدم البنك بعرض لتمويل ربع تكاليفه ثم عاد ليسحب العرض في يوليو 1956. 

وكما قال الخال على لسان حراجي القط “كمان فيه خواجات روس - جايين في مراكب من آخر الدنيا” حيث إن مصر تمكنت بالفعل من توقيع اتفاق في 1985 مع الاتحاد السوفيتي لتمويل المرحلة الأولى من بناء السد بنحو 400 مليون روبل، وفي أغسطس وقعت مصر اتفاقية ثانية مع الروس بـ 500 مليون روبل للبدء في المرحلة الثانية، واستمر بناؤه، بسواعد نحو 34 ألف عامل مصري، حتى العام 1970، لكنه بدأ الانتاج الفعلي للكهرباء في 1967 مساهما في إنتاج الطاقة بنحو 8153 مليون كيلووات - ساعة.

وفي 1978 وصلت نسبة مساهمة محطة توليد الكهرباء بالسد العالي في إجمالي قدرة الشبكة القومية للكهرباء إلى أكثر من 54% أما الآن ونظرًا لعدة عوامل انخفضت هذه النسبة إلى 3و5% فقط، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1500 ميجاوات وطاقة قصوى بـ2100 ميجاوات.

صورة تعود للمراحل الأولى من بناء السد العالي

ما قبل السد 

قبل السد العالي اعتمدت مصر على المحطات البخارية والحرارية لتوليد الطاقة الكهربائية، وللمرة الأولى أضاء التيار الكهربائي شوارع المحروسة في 1892 على يد شركة شارل ليبون الفرنسية التي فازت بأول عقد من نوعه في مصر لإنتاج الكهرباء وإضاءة الشوارع العامة بواسطتها مقابل سعر للكيلووات بـ1.5 فرانك فرنسي وفي العام 1897 جددت الحكومة عقدها مع "ليبون" بتسعيرة جديدة هي فرانك واحد للكيلووات ما يعادل وقتها 40 مليمًا فقط، وذلك في وقت كان الجنيه المصري يساوي أكثر من 7 جرامات ذهب. 

وكان استخدام الكهرباء في البداية قاصرًا على الشوارع الكبرى في القاهرة والإسكندرية وعلى قصور الأثرياء والمساجد والأماكن العامة، ويعود تاريخ أول تعاقد بين شركة ليبون وعملائها في مصر كما كان يطلق عليه وقتها، إلى 11 مايو 1895، وكان لصالح مشترك في الإسكندرية يدعى مانولدي بالتزامن مع افتتاحها أول محطة متخصصة لتوليد الكهرباء اعتمادًا على التوربينات البخارية والفحم كمصدر للطاقة. 

وفي 1898 كان إنتاج شركة ليبون السنوي من الكهرباء لا يتجاوز 450 ألف كيلووات، وبنهاية 1912 ارتفع الإنتاج إلى 3 ملايين كيلووات على مدار العام مخصصين لنحو 4800 مشترك، أما الآن فإنتاج مصر يتجاوز الـ208500 مليون كيلووات/ ساعة وفق أرقام العام المالي 2022/2023، بينما عدد المشتركين أكثر من 18.5 مليون مشترك. 

أول وزارة كهرباء

ظلت شركة ليبون تتمتع بامتياز توليد وتوزيع الكهرباء في مصر إلى 1962 عندما جرى تأميم الشركات الأجنبية، وبعدها بعامين خرجت إلى النور أول وزارة للكهرباء في مصر تحت اسم وزارة القوى الكهربائية. 
 

صورة لفاتورة تعود لشركة ليبون 

البحث عن فائض 

وبالعودة لنهاية القرن التاسع عشر؛ كانت مصر ضمن الدول الرائدة في مجال إنتاج وتوزيع الكهرباء وعرفت شوارعها النور بعد أعوام قليلة من عواصم أوروبا، لكن في العصر الحديث بدأت تواجه شبكاتها ضغطًا واسعًا مع زيادة تعداد السكان لأكثر من 105 ملايين نسمة، رغم أن عدد محطات توليد الكهرباء يصل اليوم لنحو 80 محطة غالبيتها تعمل بالغاز والسولار. 

إنتاج مصر من الكهرباء

وخلال الفترة من 2014 إلى 2022 ارتفع إنتاج مصر من الكهرباء بأكثر من 141% مع الانتهاء من تنفيذ 30 محطة جديدة، وقد بلغ فائض الدولة من الكهرباء نحو 13 ألف ميجاوات في عام 2020 وحده، الأمر الذي دفع إلى تصديره إلى دول مثل ليبيا والأردن والسودان، وفق بيانات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار. 

انقطاع الكهرباء

لكن منذ الصيف الماضي زادات الحكومة فترات انقطاع الكهرباء من ساعة إلى ساعتين أو أكثر، الأمر الذي أثار جدلًا حول مسألة الفائض، إلا أن الحكومة أرجعت هذا الأمر في بيان أصدرته نهاية أكتوبر الماضي إلى انخفاض الطاقة المولدة من المصادر المتجددة، وتراجع كميات الغاز المستوردة من الخارج، وأوضحت أن خطتها لتخفيف الأحمال جاءت حرصًا منها على استمرار تشغيل الشبكة دون انقطاعات أكثر.

مستقبل الطاقة المتجددة

وقد تندهش إذا علمت أن مصر دخلت عصر الطاقة المتجددة مبكرًا جدًا، ففي عام 1911 خرجت للنور في حي المعادي أولى محطات الطاقة الشمسية في العالم، ومع ذلك ظل النفط مهيمنًا على مزيج الطاقة حتى ثمانينيات القرن الماضي، واليوم تتطلع الدولة إلى رفع نسبة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في إجمالي قدرة الشبكة القومية للكهرباء إلى 57% بحلول 2040، وكجزء من هذه الجهود تستهدف التوسع في مشروعات الهيدروجين الأخضر للاستحواذ على حصة بين 5 و8% من السوق العالمي للهيدروجين بحلول 2030، ودمجه مع الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى 30% ليعزز مزيج الطاقة في شبكة الكهرباء. 

صورة لمحطة لتوليد الكهرباء في مصر قديمًا 


 

search