الأحد، 08 سبتمبر 2024

04:51 ص

د محمود السعيد الشال

د محمود السعيد الشال

A A

مؤتمر الفتوى والأخلاق في عالم متغير ومتأزم

يأتي مؤتمر "الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع" الذي تنظمه دار الإفتاء المصرية وفي القلب منها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، في الفترة من 29 إلى 30 يوليو 2024 ليسهم في نشر الوعي وتصحيح المفاهيم المغلوطة، لأن غياب القيم والأخلاق صار أزمة كبيرة، لا سيما وأن تدهور منظومة الأخلاق يهدد السّلم الاجتماعي، ومن هنا يسعى المؤتمر إلى استنهاض همة العلماء وأصحاب الرأي والفكر في العالم لبعث هذا الأمل والقيام به في الواقع، من خلال هذا المؤتمر الذي يبرز المكانة الرفيعة لدار الإفتاء والأمانة العامة في الدور التنويري والإصلاحي داخل مصر وخارجها.

لما رأت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء أن الوضع العالمي اليوم متأزم ومضطر، وتسيطر عليه الصراعات والحروب والتوترات، ومعظم الحدود قابلة للانفجار في أي لحظة، ودائرة الحروب تتسع وتتسع، وشبح اندلاع نزاع مسلح مدمر يقترب من العالم كله، لتحكيم منطق القوة، وعدم الاستجابة لنداءات القيم والسلام والأخلاق، كان عليها إعلاء الخطاب الديني المنضبط، ليسهم في بناء السلام العالمي والحدِّ من الاحتقان، من خلال إعلاء القيم والأخلاق والإنسانية والعدالة وحقوق الإنسان، ونبذ العنف والصراع، وهو دور الفقيه في الربط بين الواقع وبين الحكم الشرعي.

إن الإفتاء من أخطر أبواب الشرع الشريف، والفتوى إذا لم تكن منضبطة بضوابط الشرع أو كانت لا تراعي البلاد والعباد وتتسم باللين والتيسير والصحة فإنها تحدث مفاسد عظيمة،  والفتوى تحتاج إلى التخلق بالكثير من الأخلاق، التي منها الإخلاص، فلا ينعقد عمل إلا بإخلاص لله، قال تعالى: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء﴾، ومن الأخلاق أيضا أن يكون له حلم و وقار وخلق، قال بعض السلف: ما قرن شئ إلى شيء أحسن من علم إلى حلم، كما أن المفتي يجب أن يكون مستغنيا عما في أيدي الناس، فلا يكون في حاجة لما في أيديهم، حتى لا تضعف نفسه أو يخجل أو يتأثر أو يتردد في الفتوى إذا كان محتاجا إليهم، وكذلك لابد له من فراسة يتميز بها، ثم لا يكن مسارعا بل متأنيا في الفتوى، لكي لا يقع في محظور فهو مبلغ عن الله تعالى وعن رسوله.

كما لا بد له من المعرفة بأحوال الناس وواقعهم وتغير العصر،  حتى يُسقط الأدلة عليه، وهو ما يسمى بمثلث الفتوى الذي له أضلاع ثلاثة هي: معرفة النص، ومعرفة الواقع، وإسقاط النص على الواقع، وفي الأونة الأخيرة رأينا فقهاء تحولوا إلى أداة تنظيمية لخدمة تيار أو جماعة أو مجموعة، فخلت الفتوى من المقاصد والأخلاق، وصوبت سهامها للانتقاص من الأوطان، وإثارة الجماهير، والحشد بالحماس، وتهييج الناس، وهدم المؤسسات، وإسقاط المرجعيات، والدعوة للحروب والصدام والتوتر، وأصابها التريند، في عصر سريع التغير، وهو ما نتصور أن دار الإفتاء وضعته في اعتبارها عند اختيار هذا العنوان.

ومما ينبغي التأكيد عليه أن هذا العصر مع متغيراته المتسارعة يحتاج إلى ضبط أخلاقي، يجعلنا نبحث عن تأسيس للموسوعية بلغة العصر، والتي هي عبارة عن جمع من التخصصات في كل الأمور التي تتعلق بواقع الناس إلى جانب التخصصات الشرعية الأصيلة، لكي تجمع الفتوى بين الأصالة والمعاصرة، فلا يأتي عالم مهما كان ويطلق فتوى من تلقاء نفسه، ولا يفتي بعيدا عن باقي التخصصات، حتى إن البحث العلمي اليوم أصبح الإبداع فيه يتمثل في البحوث البينية التي تجمع بين التخصصات المختلفة في أس مسألة.

ودار الإفتاء بذلت جهودا في تصحيح مسألة الفتوى التي تطلق من خلال أشخاص أقل ما يقال عنهم أنهم يتجرؤون على الفتوى، لعدم درايتهم بتخصصات تمس واقع الناس، ومع ذلك يقتحمونها دون الرجوع إلى المتخصصين في كل مجال، ودون رفع الشعار المحمدي الأخلاقي: الله أعلم، عند عدم العلم.

لذا لابد من بناء أخلاقي للفتوى في عالم متسارع، مع التأكيد على أن الفتوى اليوم يستحيل الاعتماد فيها على شخص منفرد، كأولئك الذين يجلسون كل ليلة على وسائل التواصل الاجتماعي يطلقون مئات الفتاوى في أمور مستحدثة بمعلومات تراثية، ظنا منهم أن الفتوى ما هي إلا معلومات تُحفظ، بل علينا أن نرجع للمؤسسات في عالم أصبح كل شيء فيه يبحث عن التكامل كالتروس داخل الآلة، وإن الإسلام الذي أعلى من الأخلاق والقيم والأخلاق، وجعلها ركنا عظيما، جعل الأخلاق تتغلغل في الأحكام الشرعية، عباداتٍ ومعاملات، وجعل الفتوى تحفز الإنسان على الالتزام الأخلاقي والقيمي.

فلننتظر فاعليات المؤتمر العالمي التاسع في محاوره الأساسية:

-البناء الأخلاقي في الإسلام ودور الفتوى في تعزيزه.

-الفتوى والواقع العالمي: الأفكار والمبادئ.

- الفتوى ومواجهة عقبات وتحديات البناء الأخلاقي في عالم متسارع.

search