الإثنين، 25 نوفمبر 2024

06:02 ص

برامج صندوق النقد الدولي.. شر مُطلق أم خير دائم؟

صندوق النقد الدولي

صندوق النقد الدولي

محمود كمال

A A

عبر التاريخ، كانت هناك العديد من الحالات التي شهدت فشل برامج صندوق النقد الدولي (IMF) في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول التي استعانت به، فبدلًا من تحقيق الانتعاش الاقتصادي، أدى تنفيذ توصيات الصندوق إلى انهيار الاقتصاد، ولا تزال بعض الدول تعاني من آثار هذا "القرض المدمر" حتى اليوم.

وظهر صندوق النقد الدولي إلى جانب البنك الدولي للتنمية وإعادة الإعمار في عام 1944، كجزء من خطة تهدف إلى تحقيق الاستقرار في النظام الاقتصادي العالمي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

ليس شرا مطلقا

قال خبير أسواق المال أحمد معطي، إن صندوق النقد الدولي ليس شرا مطلقا، وإنما يمكن أن يحقق الخير في بعض الحالات، مثل ما حدث مع بولندا عندما لجأت إلى الصندوق مرتين ونجحت في التحول إلى اقتصاد حر.

وأضاف معطي لـ "تليجراف مصر"، أن صندوق النقد ليس معصوما من الأخطاء لكن دوره يعتمد بشكل أساسي على كيفية تنفيذ سياساته وعلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بكل دولة، موضحًا أنه يقدم مجموعة من التوصيات للدولة، ويقف نجاح تلك التوصيات على مدى وكفاءة تنفيذها.

وتعتبر تجربة بولندا مع صندوق النقد الدولي واحدة من الأمثلة الناجحة والتي وصلت إلى تحقيق تحول اقتصادي كبير، خصوصا بعد انهيار النظام الشيوعي في أواخر الثمانينيات، حيث واجهت بولندا تحديات اقتصادية هائلة، بما في ذلك التضخم المرتفع، العجز المالي الكبير، ونقص الاحتياطيات النقدية.

في عام 1989، قررت بولندا، تبني برنامج إصلاحات اقتصادية شامل بدعم من صندوق النقد الدولي، حيث وافق الصندوق على تقديم قرض بمليارات الدولارات لدعم البلاد خلال هذه الفترة الانتقالية.

تضمنت الإصلاحات إجراءات صارمة مثل تحرير الأسعار، خصخصة الشركات المملوكة للدولة، وتخفيض الدعم الحكومي، بالإضافة إلى تشديد السياسة النقدية للسيطرة على التضخم، ورغم الصعوبات الكبيرة التي واجهتها بولندا في بداية تنفيذ هذه الإصلاحات، مثل ارتفاع البطالة وزيادة تكاليف المعيشة، إلا أن الاقتصاد البولندي بدأ بالتعافي بشكل ملحوظ خلال بضع سنوات.

تجنب أزمة الكساد العظيم

وكان الهدف الأساسي للمفاوضين الحكوميين في مؤتمر “بريتون وودز” هو تجنب تكرار أزمة “الكساد العظيم”، التي اعتُبرت حدثًا كارثيًا أدى إلى انهيار الاقتصاد الرأسمالي عالميًا. 

هذا الانهيار نجم عن غياب آلية فعالة لاحتواء الأزمات النقدية التي بدأت في بعض الدول ثم انتشرت عالميًا، مما أدى إلى انكماش التجارة وتوقف حركة رأس المال. 

وهذه الظروف مهدت الطريق لانهيار الديمقراطيات وصعود الفاشية، الأمر الذي ساهم في اندلاع أكبر حرب شهدتها البشرية.

وبحلول السبعينيات، تحول دور صندوق النقد الدولي ليصبح مختلفًا عما كان متوقعًا عند تأسيسه. إذ أصبحت تدخلاته تركز بشكل كبير على الدول النامية، التي كانت تواجه ديونًا خارجية ضخمة، نتيجة استخدامها لتمويل العجوزات المتزايدة في موازين مدفوعاتها. 

مؤتمر بريتون وودز

ومع ذلك، فشلت هذه الدول في معالجة تلك الأزمات، ما أدى إلى اقتراب بعض الدول الكبرى في الجنوب، وخاصة في أمريكا اللاتينية مثل البرازيل والأرجنتين، من الإفلاس في الثمانينيات. 

برامج صندوق النقد الفاشلة

في عام 1980، قدم صندوق النقد الدولي 150 مليون دولار للصومال، لكن تنفيذ توصيات الصندوق في الاقتصاد المحلي أدى إلى انهيار الاقتصاد نفسه ومن ثم الدولة بشكل كامل.

وأعقب ذلك اندلاع حرب أهلية طويلة ومميتة، مما أدى إلى تقسيم البلاد إلى أجزاء متصارعة. وحتى الآن، وبعد مرور 42 عامًا على هذا "القرض المدمر"، ما زال الصومال يعاني من الفقر والخراب ويعد من أخطر الأماكن في العالم.

تجربة السودان مع صندوق النقد الدولي كانت مأساوية أيضًا. ففي عام 1982، حصلت الخرطوم على 260 مليون دولار لتنفيذ إصلاحات هيكلية في الاقتصاد.

ولكن تلك الإصلاحات تعثرت، وأصبح على السودان سداد الديون وفوائدها التي بلغت ملايين الدولارات بأي وسيلة ممكنة.

وكما هو الحال غالبًا، أدى التدهور الاقتصادي إلى أزمة سياسية في السودان، تفاقمت بسبب الانتفاضة المستمرة في الجنوب، وعلى الرغم من فقدانه الجزء الجنوبي، كان السودان مجبرًا على سداد الدين الذي تضخم بالغرامات والعقوبات المختلفة.

المكسيك أيضًا وجدت نفسها في مأزق صندوق النقد الدولي عندما واجهت في أوائل الثمانينيات انخفاضًا حادًا في أسعار النفط العالمية.

لجأت المكسيك إلى صندوق النقد الدولي الذي قدم ما يعرف بخطة بيكر لإنقاذ اقتصادها، والتي تضمنت قرضًا بقيمة 3.4 مليار دولار. 

والنتيجة كانت تدمير الاقتصاد الوطني بشكل كامل، وسيطرة الولايات المتحدة، من خلال صندوق النقد الدولي، على المالية العامة للمكسيك، وكانت النتيجة الحتمية هي تدفق 45 مليار دولار من المكسيك إلى الولايات المتحدة، مما أدى إلى موجة هجرة واسعة بسبب الفقر.

search