الجمعة، 20 سبتمبر 2024

12:32 ص

فك لغز "مجزرة البيجر".. شركات وهمية إسرائيلية باعت الموت لـ"حزب الله"

جهاز لاسلكي

جهاز لاسلكي

خاطر عبادة

A A

كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، عن مسؤولين في الدفاع والاستخبارات إن الحكومة الإسرائيلية لم تتلاعب بالأجهزة التي انفجرت في عناصر “حزب الله”، بل قامت بتصنيعها كجزء من خدعة متقنة.

وبدأت عملية تفعيل أجهزة “البيجر” اللاسلكية المنفجرة، بعد الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر في لبنان يوم الثلاثاء الماضي، وجاءت الرسالة من أعداء “حزب الله”، وفي غضون ثوانٍ قليلة تلت هذه الرسائل أصوات انفجارات وصرخات وذعر في الشوارع والمحال التجارية والمنازل بمختلف أنحاء لبنان.

الرجال يتطايرون!

ووفقًا لشهود عيان ومقاطع فيديو، فإن الانفجارات التي نجمت عن استخدام بضعة جرامات من مادة متفجرة مخبأة داخل الأجهزة، أدت إلى تطاير الرجال البالغين من على دراجاتهم النارية وارتطامهم بالجدران، وسقط الناس الذين كانوا يتسوقون على الأرض، وهم يتمرغون من الألم، بينما كان الدخان يتصاعد من جيوبهم.

وفي نهاية يوم الثلاثاء، كان ما لا يقل عن 12 شخصًا قد لقوا حتفهم وأصيب أكثر من 2700 آخرين، وكان العديد منهم مشوه، وفي اليوم التالي، قُتل 12 شخصًا وجُرح المئات عندما بدأت أجهزة الاتصال اللاسلكي في لبنان تنفجر على نحو غامض، وكان بعض القتلى والجرحى من أعضاء حزب الله، لكن آخرين لم يكونوا من بينهم، وكان أربعة من القتلى أطفالًا.

عملية معقدة وطويلة

ولم تؤكد إسرائيل أو تنفي أي دور لها في الانفجارات، لكن 12 مسؤولًا عسكريًا واستخباراتيًا حاليًا وسابقًا اطلعوا على تفاصيل الهجوم قالوا إن الإسرائيليين كانوا وراءه، ووصفوا العملية بأنها معقدة وطويلة الأمد. وتحدثوا إلى صحيفة “نيويورك تايمز” بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، نظرًا إلى حساسية الموضوع.

وأصبحت أجهزة اللاسلكي المفخّخة أحدث طلقة في الصراع المستمر منذ عقود بين إسرائيل وحزب الله، الذي يتمركز عبر الحدود في لبنان، وتصاعدت التوترات بعد بدء الحرب في قطاع غزة.

الهاتف العميل

وفي خطاب تلفزيوني عام ألقاه في فبراير الماضي، قال حسن نصر الله لأتباعه: "تسألونني أين العميل؟ فأقول لكم إن الهاتف الذي بين أيديكم، وفي أيدي زوجاتكم، وفي أيدي أبنائكم هو العميل".

وقال نصر الله: "ادفنوها، وضعوها في صندوق حديدي وأغلقوها".

وكان أمين عام الحزب قد ظل لسنوات يدفع “حزب الله” إلى الاستثمار في أجهزة الاتصال، التي على الرغم من قدراتها المحدودة يمكنها تلقي البيانات دون الكشف عن موقع المستخدم أو أي معلومات أخرى خطيرة، وفقًا لتقييمات الاستخبارات الأمريكية.

ورأى مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية، ضرورة انتهاز الفرصة بتوجه “حزب الله” للاستثمار في الهواتف اللاسلكية.

ووفقًا لتقرير الصحيفة الأمريكية، فإنه حتى قبل أن يقرّر نصر الله توسيع استخدام أجهزة الاتصال اللاسلكي، كانت إسرائيل قد وضعت خطة لإنشاء شركة وهمية تعمل على تقديم نفسها كمنتج دولي لأجهزة اللاسلكي.

شركة وهمية إسرائيلية

وعلى ما يبدو، كانت شركة BAC Consulting شركة مقرها المجر وكانت متعاقدة لإنتاج الأجهزة لصالح شركة تايوانية تدعى Gold Apollo، ولكن في الواقع، كانت هذه الشركة جزءًا من واجهة إسرائيلية، وفقًا لثلاثة ضباط استخباراتيين اطلعوا على العملية.

وقالوا إن شركتين وهميتين أخريين على الأقل جرى إنشاؤهما أيضًا لإخفاء الهويات الحقيقية للأشخاص الذين يصنعون أجهزة اللاسلكي: ضباط استخبارات إسرائيليون.

ورغم ذلك، تعاملت شركة BAC مع عملاء عاديين، حيث أنتجت لهم مجموعة من أجهزة الاتصال العادية، ولكن العميل الوحيد الذي كان مهمًا حقًا هو حزب الله، وكانت أجهزة الاتصال التي تنتجها بعيدة كل البعد عن الأجهزة العادية.

ووفقًا لضباط الاستخبارات الثلاثة، كانت هذه الأجهزة، التي تم إنتاجها بشكل منفصل، تحتوي على بطاريات مملوءة بمادة PETN المتفجرة.

وبدأ شحن أجهزة اللاسلكي إلى لبنان في صيف عام 2022 بأعداد صغيرة، لكن الإنتاج تنامى سريعًا بعد أن ندّد نصر الله بالهواتف المحمولة.

وأثارت تقارير من حلفائه مخاوف نصر الله، والتي تفيد بأن إسرائيل اكتسبت وسائل جديدة لاختراق الهواتف، وتفعيل الميكروفونات والكاميرات عن بعد للتجسس على أصحابها.

ووفقًا لثلاثة مسؤولين استخباراتيين، استثمرت إسرائيل ملايين الدولارات في تطوير هذه التكنولوجيا، وانتشرت الأخبار بين “حزب الله” وحلفائه بأن أي اتصال عبر الهاتف المحمول ــ حتى تطبيقات الرسائل المشفرة ــ لم يعد آمنًا.

ولم يكتف نصر الله بحظر استخدام الهواتف المحمولة في اجتماعات عناصر الحزب، بل أمر أيضًا بعدم تبادل تفاصيل تحركات “حزب الله” وخططه عبر الهواتف المحمولة، كما قال ثلاثة مسؤولين استخباراتيين. 

وأمر ضباط “حزب الله” بحمل أجهزة اللاسلكي في جميع الأوقات، وفي حالة اندلاع حرب، سيتم استخدام أجهزة الاتصال لإخبار المقاتلين بالمكان الذي يجب أن يتوجهوا إليه.

وخلال الصيف، زادت شحنات أجهزة اللاسلكي إلى لبنان، حيث وصلت الآلاف منها إلى البلاد وتم توزيعها بين ضباط الحزب وحلفائهم، وفقًا لمسؤولين استخباراتيين أمريكيين.

بالنسبة إلى “حزب الله”، كانت هذه الأجهزة بمثابة إجراء دفاعي، ولكن في إسرائيل، كان ضباط الاستخبارات يشيرون إلى أجهزة اللاسلكي باعتبارها "أزرارًا" يمكن الضغط عليها عندما يبدو الوقت مناسبً.

ويبدو أن تلك اللحظة جاءت هذا الأسبوع.. وصدر الأمر يوم الثلاثاء بتفعيل أجهزة اللاسلكي.

رسالة باللغة العربية

ولإحداث الانفجارات، وفقًا لثلاثة مسؤولين في الاستخبارات والدفاع، قامت إسرائيل بتشغيل أجهزة اللاسلكي لتطلق صافرات الإنذار وأرسلت رسالة باللغة العربية بدا كأنها جاءت من القيادة العليا لـ"حزب الله"، وبعد ثوانٍ، عمّت الفوضى لبنان.

ومع سقوط هذا العدد الكبير من الجرحى، زحفت سيارات الإسعاف عبر الشوارع، وسرعان ما امتلأت المستشفيات بالمصابين.

search