الأربعاء، 25 سبتمبر 2024

06:15 م

"19 ساعة من الذعر".. مياه الشرب ملوّثة بـ"شائعة سامة"

انتشار شائعة تلوث مياه الشرب على نطاق واسع

انتشار شائعة تلوث مياه الشرب على نطاق واسع

آلاء مباشر

A A

تُسارع الأم “المذعورة” إلى التقاط هاتفها المحمول، تُلحّ في الاتصال بابنها “صلاح”، الساكن في منطقة فيصل مرات عدّة. لا يأتيها الردّ، لكنها تعيد الاتصال مرة أخرى. يأتيها صوت ابنها “قلقا متوترا”، متسائلا بلهفة وتعجّب عن السبب الذي أخرج أمه عن هدوئها المعهود بهذا الشكل الغريب.

“متشربوش من المياه لمدة 19 ساعة، وخلّي بالك يا ابني مش ناقصين تعب".. يتلقّى “صلاح” تحذيرات أمه بهدوء، محاولاً طمأنتها، ويعيد سؤالها عن مصدر هذا التحذير. تصدمه الأم بأن التحذير متداول على نطاق واسع على جروبات الواتساب وتزدحم به السوشيال ميديا، ولا حديث للناس إلا عن تحذير شركة مياه الشرب والصرف الصحيّ، من شرب المياه “لتلوثها بميكروب سامّ”. 

يتتبّع “صلاح” الرسالة الصوتية التي وصلته بالفعل، ويحاول التحقّق من صحتها، لكنه يمتنع عن استخدام المياه العمومية في أي أغراض تتعلق بالأكل والشرب، ويشدّد على زوجته بتجنبها مؤقتًا حتى تنجلي الحقيقة كاملة.

حالة من الذعر على السوشيال ميديا يصطدم بها “صلاح”، تُفقده هدوءه، وتدفعه للتورّط في ترويج التحذير نفسه، حتى أنه يرسل الرسالة نفسها التي وصلته إلى أصدقائه. 

يتطوّر الأمر، وتتحول الرسالة الصوتية المتداولة إلى رسائل عدة بأصوات أخرى قلقة مذعورة، ولكن هذه المرة بأسئلة جديدة تٌعيد الأمور إلى جذور الأزمة، “مياه أسوان الملوّثة وصلت القاهرة”.

وشهدت مدينة أسوان، جنوب مصر، حالة من الذعر، بطلها تلوث مياه الشرب بميكروب غامض، استدعت تحرّك أجهزة الدولة بالكامل، ودفعت بوزير الصحة ونائب رئيس الوزراء، خالد عبد الغفار، إلى الذهاب إلى أسوان نفسها لاستجلاء حقيقة الموقف بعد تداول أنباء عن وفيات عدة بمستشفيات المدينة السياحية.

أرجع الدكتور عبد الغفار الأزمة إلى تلوث المياه على نطاق ضيق ببكتيريا إي كولاي، في حضور محافظ أسوان الذي شرب مرات عدة من مياه الحنفية مباشرة أكثر من مرّة، ليقطع الطريق على انتشار الشائعات التي تستشري وتثير البلبلة، ليس في أسوان فقط، بل في عموم مصر.

يتصل “حاتم”، أحد أصدقاء صلاح، المسافر إلى إحدى الدول العربية، به في ساعة متأخرة، وقبل ذهابه إلى النوم مباشرة، محاولا التعرف على الموقف من شخص “هادئ لا ينساق بسهولة إلى الشائعات".

يبدو حاتم مطّلعا على تفاصيل القصة جيدا، ويحيل “صلاح” إلى أقوال وزير الصحة، ووزير الإسكان، بل الموقف على الأرض في أسوان، وأن زيارة الحكومة بدأت تأتي بنتائج محمودة، لكنه لم يتخيّل أن الأمر يصل إلى القاهرة.

يضع صلاح هاتفه المحمول جانبا، ويضعه على وضع الطيران، ملتمسًا بعض النوم، وخاصة أن وراءه مشاوير عديدة ويوما طويلا في العمل. لكن زوجته تواصل الحديث في فراش الزوجية عن هذا “الميكروب السامّ” الذي وصل المياه، ومن يقف وراءه، وهل هو فعلا الكوليرا، وهل هناك تطعيم ما من الممكن أن يعطوه لابنتهم الصغيرة التي بدأت عامها الأول في المدرسة، هل من الأفضل أن نجلس البنت في البيت أم الأمر لا يستحق منعها من الذهاب إلى المدرسة.

يتقلّب صلاح في فراشه، والقلق يأكل دماغه حرفيا، لكنه يغفو مجبرا من شدة الإرهاق. يصحو على المنبه ويستعد ليوم جديد. 

في الحمام، يعاين صلاح المياه النازلة من “الحنفية”، والأسئلة لا تتوقف، ولكنه قرّر أن يتعامل مع الموقف بحكمة، وألا ينساق للشائعات.

بمجرد فتح الهاتف والداتا، يُفاجأ بسيل من الإشعارات المتوترة، الصوت “المزعج” لا يتوقف. كاد ينجرف مجددًا لـ “تيار الخوف والفزع الكاسح”، لكنه جهّز ابنته للذهاب إلى المدرسة، وحرص على ملء “الزمزمية” لطفلته من مياه مفلترة. 

لا حديث في الشارع إلا عن المياه الملوثة، والتحذير المتداول. لكن هذه المرة يأتي ردّ رسمي سريع. الشركة المنسوب إليه التحذير تخرج لنفي المر جملة وتفصيلا.

حقيقة تلوث المياه

خرجت الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحيّ، عن صمتها،  في بيان رسمي، مؤكدة أنه لا صحة للشائعات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل "واتساب" بشأن سوء جودة مياه الشرب وضرورة الامتناع عن تناولها.

وشدّدت الشركة أن المياه المقدمة للمواطنين آمنة تمامًا وتطابق المعايير والمواصفات القياسية، ويتم مراقبة جودتها باستمرار على مدار الساعة من خلال منظومة المعامل والجودة التابعة للشركة القابضة وشركاتها الفرعية، إضافة إلى الرقابة المستمرة من جهاز تنظيم مياه الشرب وحماية المستهلك ووزارة الصحة والسكان.

كما دعت الشركة المواطنين إلى عدم الانسياق وراء الشائعات التي لا تستند إلى أي أساس، وأكدت على أهمية الحصول على المعلومات من المصادر الرسمية الموثوقة، مثل الصفحات الرسمية للشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي.

مجلس الوزراء رصد سريعا الشائعة وتتبعها، ليؤكد مركزه الإعلام، أنه لا حقيقة إطلاقا لما تم تداوله من رسائل صوتية على تطبيق "واتس آب" تزعم إصدار شركة المياه منشورا تحذيريا بعدم استخدام المياه لأغراض الشرب بدءاً من الساعة 3 صباحاً حتى الساعة 10 مساءً نتيجة لتلوثها بميكروب سام.

ونفى المركز الإعلامي صحة الرسائل الصوتية المتداولة، مؤكدا أنه تواصل مع الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، والتي نفت تلك الأنباء.

وشدّد على أن مياه الشرب بكافة محافظات الجمهورية سليمة وآمنة تماماً وخالية من أي ميكروبات ضارة أو ملوثات، ومطابقة للمعايير والمواصفات القياسية، ويتم مراقبتها على مدار الساعة من خلال منظومة المعامل والجودة بالشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، وشركاتها التابعة.

وأشار إلى الدور الرقابي لجهاز تنظيم مياه الشرب وحماية المستهلك، ووزارة الصحة والسكان، مُناشدةً المواطنين عدم الانسياق وراء تلك المعلومات المغلوطة مع استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية.

search