السبت، 05 أكتوبر 2024

12:16 ص

أسعار العقارات في مصر.. فقاعة محتملة أم استثمار آمن؟

الفقاعة العقارية

الفقاعة العقارية

حسن راشد

A A

وسط الارتفاعات الجنونية في أسعار العقارات، تتزايد المخاوف من أن السوق على وشك مواجهة فقاعة خطيرة قد تنفجر في أي لحظة، فرغم تطمينات الحكومة بأن الأمور تحت السيطرة، إلا أن تحذيرات خبراء الاقتصاد تدق ناقوس الخطر بشأن احتمالية تضخم هذه الفقاعة التي قد تجر القطاع إلى مرحلة غير مسبوقة من الركود والانهيار السعري.

وتصاعدت المخاوف من احتمالية حدوث "فقاعة" عقارية بعد تحذير رجل الأعمال ورئيس مجلس إدارة شركة أورا ديفلوبرز إيجيبت، نجيب ساويرس، الذي أشار إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة تخلق خطرًا حقيقيًا، مؤكدًا أن استمرار ارتفاع أسعار الفائدة سيؤثر سلبًا على المستثمرين والمطورين العقاريين، ما يرفع من أسعار الوحدات السكنية بما لا يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الحالية.

ساويرس أضاف: “أدرك تمامًا موقف البنك المركزي وجهوده للحفاظ على استقرار سعر الصرف، لكن استمرار ارتفاع أسعار الفائدة سيؤثر سلباً على المستثمرين على المدى الطويل، فارتفاع معدلات الفائدة على الإيداعات في البنوك يتيح تحقيق عوائد جيدة مع مخاطر شبه معدومة، ما يؤثر أيضاً على المطورين العقاريين الذين يحددون أسعار وحداتهم بناءً على معدلات فائدة مرتفعة، كما أن التغيرات السريعة في أسعار مواد البناء قد تؤدي إلى تكبدهم خسائر.”

الملياردير نجيب ساويرس

خفض الفائدة

رجح الخبير الاقتصادي، هاني توفيق، حدوث فقاعة عقارية خلال الفترة المقبلة، حيث يمر القطاع حاليًا بحالة ركود بسبب التسعير المبالغ فيه من قِبل المطورين العقاريين للوحدات السكنية، ما أدى إلى انخفاض حجم الطلب وزيادة المعروض في السوق.

وأكد توفيق لـ"تليجراف مصر"، أن أسعار الوحدات السكنية الحالية لا تتماشى مع قدرات الطبقة المتوسطة والشباب المقبلين على الزواج، فالشاب في مقتبل حياته لا يستطيع تحمل تكاليف شراء شقة تتراوح أسعارها بين 5 إلى 10 ملايين جنيه، ما يعزز حالة الركود وتراجع الطلب الفعلي على العقارات.

وأشار إلى أن أسعار العقارات الحالية تتضمن معدل فائدة مرتفعًا يبلغ 32% سنويًا لمدة 10 سنوات، مما يمثل عبئًا ماليًا كبيرًا على المشترين، متوقعًا أنه مع وصول الدولة إلى تحقيق مستهدف خفض الفائدة إلى 16% بحلول 2026، ستنخفض تكلفة التمويل بشكل ملحوظ، ما سيؤدي إلى تراجع جذري في أسعار العقارات بعد عامين مقارنة بالمستويات المرتفعة في 2024.

ولمواجهة هذه الأزمة العقارية، ذكر توفيق أن الحل الأمثل يتمثل في إنشاء صناديق استثمار عقارية، حيث يمكن أن تكون حلاً لمشكلة ركود القطاع العقاري، وتسوية مديونيات المجتمعات العمرانية التي تقدر بمليارات الجنيهات، كما ستوفر هذه الصناديق فرص سكن مناسبة لمئات الآلاف من الشباب حديثي الزواج، مع تحقيق أرباح لحملة وثائق الصناديق العقارية.

الخبير الاقتصادي، هاني توفيق

ركود السوق العقاري

في نفس السياق، أوضح الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل، مدحت نافع، أن الجدل المستمر حول وجود فقاعة عقارية في مصر يعود بشكل كبير إلى الاختلاف في تعريف مفهوم "الفقاعة". ويشير إلى أن الفقاعة العقارية في مصر ترتبط بظواهر معينة، مثل الارتفاع المبالغ فيه في أسعار العقارات، وهو ما لا يبرره الوضع الاقتصادي أو الأجور الحقيقية للمواطنين التي لا تتماشى مع تلك الزيادات.

في تصريحه لـ"تليجراف مصر"، رأى نافع أن الفقاعة العقارية مدعومة بشكل كبير من استثمارات الدولة ونسبة عالية من المستثمرين ذوي الملاءة المالية المرتفعة. ومع ذلك، يشير إلى أن السوق العقارية تشهد حالة من الركود بسبب العدد الكبير من الوحدات السكنية المغلقة، التي تُستخدم لأغراض غير سكنية، مثل "تخزين القيمة" بدلاً من توفير وحدات للإسكان الفعلي.

ويرجع الخبير الاقتصادي، الارتفاع المستمر في أسعار العقارات إلى انهيار قيمة الجنيه أمام الدولار، مما زاد من ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، سواء للتملك أو الإيجار. ويضيف أنه مع تراجع الطلب وارتفاع المعروض من الوحدات، يصبح من المتوقع حدوث فقاعة عقارية.

 الخبير الاقتصادي، مدحت نافع

ومع ذلك، يتساءل نافع عن احتمالية حدوث انفجار للفقاعة، قائلاً: "هل هناك حتمية لحدوث انفجار أم يمكن تفريغها بشكل آمن؟"، ليجيب بأن "الفقاعة العقارية غير محتملة الانفجار على المدى القريب لأنها ما زالت في مرحلة التوسع".

ولتجنب أي انفجار محتمل للفقاعة، يؤكد على ضرورة وجود طلب مستدام على العقارات يمكنه استيعاب الكم الكبير من الوحدات المتاحة. كما يدعو إلى تحويل جزء من الاستثمارات العقارية إلى قطاعات إنتاجية أخرى لتخفيف الضغط على سوق العقارات، مشيرًا إلى أهمية تصدير العقارات وتقليل المخاطر الاقتصادية المحتملة.

وحققت مصر تقدمًا ملحوظًا في مجال تصدير العقارات خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغت مبيعات العقارات للمصريين المقيمين في الخارج حوالي 7.3 مليار دولار على مدار 11 عامًا، وفقًا للإحصاءات الرسمية، إلا أن هذه الأرقام أقل بكثير مقارنة بالأسواق المنافسة، إذ يتراوح حجم سوق تصدير العقارات العالمي بين 200 و250 مليار دولار سنويًا.

 نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، فتح الله فوزي

لا مؤشرات على الفقاعة

على الجانب الآخر، لا يرى نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين ورئيس لجنة التشييد والبناء بالجمعية، فتح الله فوزي، أي مؤشرات تدل على حدوث فقاعة عقارية في المستقبل، مؤكدًا نشاط السوق العقاري، حيث زاد الطلب بشكل ملحوظ، فخلال النصف الأول من العام الحالي تم بيع ثلاثة أضعاف نفس الفترة من العام الماضي، ما يعكس إقبالًا حقيقيًا على السوق، وليس ركودًا كما يُشاع.

وأشار فوزي، إلى غياب ثقافة التمويل العقاري، مثل الرهن العقاري، ما يؤثر على طبيعة السوق، مرجعًا إثارة مسألة الفقاعة إلى المضاربة العقارية، حيث يشتري البعض الوحدات السكنية بهدف إعادة بيعها بعد فترة قصيرة للاستفادة من ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الجنيه، إلا أنه مع عودة الاستقرار للسوق، أصبح المضاربون غير قادرين على إعادة بيع هذه الوحدات، خاصة في ظل وجود مشروعات جديدة وعروض جذابة بدون دفعة مقدمة.

وعدد فوزي الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار العقارات، التي تشمل الطلب المتزايد نتيجة للنمو السكاني وزيادة الحاجة إلى المساكن، بالإضافة إلى تحول المصريين إلى الاستثمار في العقارات كوسيلة رئيسية للادخار، وارتفاع تكاليف البناء ومعدلات التضخم بسبب زيادة أسعار المواد الخام والعمالة، فضلاً عن انخفاض قيمة الجنيه، ما يجعل العقارات خيارًا جذابًا لحفظ المدخرات، متوقعًا استمرار أسعار العقارات في الارتفاع مستقبلًا.

أسهم القطاع العقاري، الذي يُعتبر أحد أكبر القطاعات الإنتاجية في مصر، بنحو 20% من الناتج المحلي، مدعومًا بالنمو السكاني، وفقًا لوزارة الإسكان.

تطمينات الحكومة

نهاية الشهر الماضي، أكد وزير الإسكان، شريف الشربيني، أنه لا يوجد ما يدعو للقلق بشأن وجود فقاعة عقارية في مصر، مشيرًا إلى وجود طلب حقيقي على العقارات، كما أن المناطق الساحلية تشهد إقبالًا غير متوقع على المشاريع العقارية المطروحة.

وفي مؤتمر صحفي، عزا الشربيني الإقبال على شراء العقارات إلى عدة عوامل، أبرزها الأزمة السكانية التي تعاني منها الدولة، بالإضافة إلى استثمار العديد من المواطنين لمدخراتهم في العقارات، حيث تُعتبر قيمة العقار بمثابة "الحصان الرابح" ومخزنًا للقيمة، ما يجعلها من أكثر الأنشطة التي تحافظ على المدخرات.

وعلق وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، طارق شكري، على مفهوم الفقاعة، موضحًا أنها تعني وجود سلعة تشهد مزايدات مرتفعة، وهو ما يتناقض مع الوضع الحالي في القطاع العقاري المصري، حيث يقدم المطورين العقاريين عددًا كبيرًا من الوحدات، ما يعني عدم وجود مزايدات على الأسعار، وبالتالي لا يمكن أن تتشكل أسعار غير حقيقية.

وتابع شكري: "هذه المعادلة لا تتوافق مع تعريف الفقاعة، حيث تعني الفقاعة أن هناك سلعة انتفخت قيمتها نتيجة زيادة الطلب عليها.. لكن ما يحدث هو العكس، حيث يتم تقييم الوحدات وفقًا لقيمتها السوقية بناءً على مدخلات الصناعة."

وأشار إلى أن نسبة التمويل العقاري في مصر ضئيلة، ما يقلل من المخاوف التي حدثت في عام 2008 في الولايات المتحدة، حيث كانت تمول العقارات بنسبة 103% (100% للعقار و3% للأثاث)، مضيفًا أن ارتفاع أسعار العقارات يعكس حاجة حقيقية نتيجة الزيادة السكانية.

search