الإثنين، 21 أكتوبر 2024

01:15 ص

محمد فوزي.. حكاية مطرب "الهافتايم" وبطولة انتهت بـ"علقة ساخنة"

محمد فوزي

محمد فوزي

في 1687، نشر عالم الفيزياء الإنجليزي إسحاق نيوتن، نظريته الشهيرة بأن الأجسام تجذب بعضها البعض تبعًا لكتلتها، وتعتمد قوة الجاذبية على مربع المسافة بين الجسمين المتجاذبين.
بعد 249 عامًا من نظرية نيوتن، وفي نهار مُشمس في كفر أبو جندي التابع لمركز قطور بمحافظة الغربية، اكتشف الفنان محمد فوزي بالطريقة ذاتها بأنه يمتلك صوتًا جميًلا.. فكيف كان ذلك؟

تأثير نيوتن

“بالطريقة ذاتها التي اكتشف بها نيوتن قانون الجاذبية الأرضية لما رأى تفاحة تسقط من شجرة، اكتشفت أنا أن صوتي جميل، هذه الطريقة هي الصدفة البحتة، فقد كان من عادتي، وهذه مسألة يرجع تاريخها إلى حوالي 21 عامًا، كان من عادتي أن أحفظ عن ظهر قلب كل الأغاني التي تغنيها أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب”.. بهذه الكلمات، تحدث محمد فوزي لمجلة الكواكب، التي نشرت حكايته المثيرة على مساحة واسعة تحت عنوان “مطرب الهافتايم ومولد شبين” في عددها الصادر بتاريخ 26 فبراير 1957.

وفي ذكرى وفاة الفنان الراحل محمد فوزي، الذي رحل عن عالمنا في 20 أكتوبر من العام 1966، نعيد نشر الحكاية عن مبدع ومطور تربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية.

كان يحب الغناء في القطار

كغالبية الموهوبين، يحبون الغناء في الحمام، محمد فوزي أيضًا كان يحب ذلك، ولكنه كان يرى في القطار أيضًا مكانًا مناسبًا للغناء. 
فوزي قال: "كنت عضوًا في فريق كرة القدم بالمدرسة، مدرسة طنطا الابتدائية، ولهذا كنت كثير التحرك مع فرقتي والذهاب للعب مع العديد من المدارس على أراضيها، وفي القطار، يخيل إلي أن القطار مثل الحمام يطيب للنفس الغناء فيه، كنت أغني وسمعني التلاميذ الذين معي، فبهرهم صوتي، وذهب واحد منهم للمدرسين الذين كانوا يرافقونني في الرحلة، واستمعوا جميعًا لي وسفقوا لي، حتى ركاب القطار".
أضاف: "نزلت من القطار في ذلك اليوم وقد استقر في رأسي أنني اصبحت مطربًا، وما أن عدنا لطنطا حتى وضع أساتذتي نظامًا لمباريات الكرة، يقضي بأن أغني في الهافتايم للمدعوين، وكان هذا ظلمًا جائًرا، فالمفروض أنني أظل أجري طيلة الهافتايم الأول ويتصبب عرقي، ثم لا تكاد تنطلق صافرة الحكم حتى يطلبون مني الغناء، مسألة فيها عناء ولكني بذلت جهدي لأحصل على كل ما أريد من شهرة محلية".

أسرار كثيرة كشفها فوزي لمجلة الكواكب في 26 فبراير 1957


الإغراء بالمال

استرسل فوزي، في حديثه، ليعترف بأن المدارس الأخرى أغرته بالمال للغناء بها بعدما ذاع صيته، ثم كانوا يعلنون لاحقًا أنه هو من يطلب منهم الغناء، غنى في العديد من المدارس، ودرس بها أيضًا.
وقال: "وجدت نفسي طالبًا في المدرسة الثانوية، والمدرسة الصناعية، ثم استدعتني مدرسة شبين الكوم الزراعية للغناء عندها، فأصبحت تلميذًا بالمدرسة الزراعية". 

الغناء في مولد شبين الكوم

استقبل فوزي، العديد من عروض الموالد للغناء بها، ومن بين كل العروض، اختار الغناء في مولد بجوار مدينة شبين الكوم، وقال: "ذهبت فوجدت المتعهد بنى لي شادرًا كانت تعلوه لافتة صغيرة كُتب عليها بخط اليد محمد فوزي، وكان حلوها عشرات الشوادر التي يغنهي فيها ويرقص مطربون وراقصات من سنباط، وكان المتعهد يغريني بالمزيد من المال إذا استطعت اجتذاب الجمهور إلى شادره". 
أضاف: "غنيت في الليلة الأولى ولكن أنهكني السهر إلى ما بعد منتصف الليل، ولهذا بدا علي الإرهاق طيلة اليوم التالي، وزادت الأمور تعقيدًا بعدما اقتحم خفير الشادر وقال لي (إنت ياللي اسمك فوزي، تعالى كلم الضابط)".
يستكمل فوزي: "أخبرته (ظابط مين)، لينظر لي باستنكار كأني ارتكبت جريمة، (يا نهار كوبيا بقى مش عارف ضابط مين)، وأخبرته بأنني مرهق ولا استطيع المغادرة".
هز كتفيه وانصرف، وعاد بعد ربع ساعة ليطلب مني الحضور وإلا سيستعمل القوة، تجمع الجميع حول الشادر، رفضت الذهاب معه فجذبني من يدي بقسوة، صرخت لاستنجد بزملائي، وفي ثوان انقضوا على الخفير وأوسعوه ضربًا". 

محمد فوزي بطلًا

يستكمل فوزي روايته المثيرة: "كانت الساعة قد بلغت الثامنة، وهو الوقت الذي يطيب فيه الغناء ويحلو السهر، وتتدفق النقطة على الراقصات، وحرمان كل هؤلاء من رزق ليلة أمر فيه إجحاف بهم، لأن المولد لا يستغرق أكثر من 7 أيام يتكلفون فيها الكثير بين سفر وإقامة، وحز في نفسي أن أسمع أنني سبب التشطيب، ففكرت أن أكون بطًلا".
"خرجت من الشادر الذي اختبأت فيه، وفي نيتي الذهاب للضابط، لأن هذا قد يكون حًلا للإشكال، ولكني ما إن ظهرت أمام أعين زملائي حتى صاح أحدهم أنني السبب، أنقض علي وصفعني، وأقبل ثانٍ وركلني، وبعد أقل من دقيقة كنت كالكرة بين الأرجل والأيدي، وصرخت بأقصى ما أستطيع، تجمع الخفراء الذين كانوا تناثروا في أرجاء المولد فخلصوني من أيدي المعتدين".
الكلام لا يزال لفوزي، "اقتادوني للضابط، اختلست نظرة لوجهه، وطرقت رأسي فكرة هذا الوجه أعرفه ورأيته كثيرة، ليس مرة بل عشرات المرات، صاح بي: “اسمع يا فوزي، أنا من طنطا وعارف أهلك كويس، ومن رأيي عيب قوي تغني في وسط سنباط، كفاية عليك تغني في حفلات طنطا وشبين الكوم، وبعدين تكبر وتغني في مصر، أنا عاوزك ترجع طنطا على طول”.
واختتم فوزي: “خرجت من عند الضابط لأعود لطنطا، وفي طريقي للخارج من عنده رأيت الخفراء يجرون الذين اعتدوا علي إلى الضابط، ليوقع عليهم العقوبات التي يطبقها في مملكته الصغيرة، التي يأمر فيها وينهي، ويحرمني من الغناء”.

search