الثلاثاء، 22 أكتوبر 2024

04:21 م

بنظام مالي جديد.. قمة بريكس تسعى لكسر "هيبة الدولار"

مجموعة البريكس - أرشيفية

مجموعة البريكس - أرشيفية

حسن راشد

A A

تتجه الأنظار إلى قمة بريكس التي تبدأ أعمالها اليوم، حيث يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى وضع أسس نظام مالي جديد لتقليل هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي.

تأتي هذه الخطوة ضمن جهود موسكو لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول الجنوب العالمي، وحماية الدول المشاركة من تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية، وكذلك تقليل الاعتماد على الدولار واليورو كأدوات رئيسية في النظام المالي الدولي، ما يعزز من دور مجموعة بريكس في بناء نظام اقتصادي مستقل.

نظام مدفوعات جديد

تشير تقارير صحفية، من بينها تقرير نشرته صحيفة "إيكونومست" البريطانية، إلى أن بوتين سيستغل قمة بريكس لإطلاق مشروع “جسر بريكس”، بهدف إلى إنشاء نظام مدفوعات جديد لتسوية المعاملات المالية عبر الحدود باستخدام منصات رقمية تديرها البنوك المركزية في دول بريكس.

ويُتوّقع أن يتم تشغيل النظام خلال العام المقبل، ما يشكل بديلًا للأنظمة التقليدية التي تعتمد على الدولار واليورو، بعدما أكد وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الشهر الماضي، أهمية تطوير نظام مدفوعات مستقل لمجموعة بريكس، مشيرًا إلى أن النظام الجديد سيسمح بتنفيذ المعاملات الاقتصادية بعيدًا عن تأثير العقوبات الغربية.

جسر بريكس

يهدف "جسر بريكس" إلى تسهيل المعاملات المالية باستخدام منصات رقمية تديرها البنوك المركزية للدول الأعضاء، ومن المتوقع أن يسهم هذا النظام في تقليل الاعتماد على الأنظمة الغربية مثل نظام سويفت، الذي يُعتبر أساسيًا في المدفوعات العالمية.

ويعتمد المشروع الجديد على أفكار مستوحاة من مشروع "إم بريدج" الذي طُوّر بالتعاون مع بنك التسويات الدولية والبنوك المركزية لعدة دول، منها الصين والإمارات.

العقوبات المالية ونظام سويفت

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، سيطرت الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي بفضل قوتها الاقتصادية والعسكرية، ما جعل الأصول المقومة بالدولار، مثل سندات الخزانة الأمريكية، ملاذًا آمنًا للمستثمرين، ويشكّل الدولار حوالي 58% من احتياطات النقد الأجنبي العالمية، ما يجعله العملة الرئيسية في الأنظمة المالية الدولية.

وأصبحت العقوبات المالية أداة رئيسية في يد الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، حيث تعتمد البنوك الدولية التي تتعامل بالدولار على بنوك مراسلة في الولايات المتحدة لتنفيذ عملياتها، ما يمنح أمريكا نفوذًا كبيرًا على التدفقات المالية الدولية، ويُستخدم كأداة قوية في العقوبات، حيث شهد العقدين الماضيين زيادة في عدد الأفراد والمؤسسات المستهدفين بالعقوبات الأمريكية.

وفي عام 2018، تم استبعاد إيران من نظام سويفت كجزء من العقوبات المفروضة عليها، ما أعاق قدرتها على إجراء المعاملات الدولية. كذلك، بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 2022، تعرضت روسيا لعقوبات مالية غير مسبوقة، شملت تجميد أصول لها بقيمة 282 مليار دولار وفصل البنوك الروسية عن نظام سويفت.

البحث عن بدائل مالية

وأدت العقوبات المالية الغربية إلى دفع روسيا وحلفائها في مجموعة بريكس للبحث عن بدائل للنظام المالي الأمريكي، فعلى سبيل المثال، تسعى الصين إلى تطوير نظام مدفوعات مستقل لتقليل تأثير الدولار على اقتصاداتها وتعزيز الاستقرار المالي.

وفي محاولة لتحقيق ذلك، حولت روسيا أسواق الصرف الأجنبي لديها للتعامل باليوان الصيني بشكل شبه حصري، إلا أن التحديات كبيرة في هذا الإطار، حيث تواجه روسيا صعوبة في توفير السيولة الكافية بالعملة الصينية، ما دفعها إلى اللجوء لنظام المقايضة، بجانب استخدام العملات المحلية في التعاملات التجارية الدولية، التي ارتفعت إلى 65% من تعاملات دول التكتل الاقتصادي.

وناقشت مجموعة بريكس خلال سلسلة من الاجتماعات في قازان قبل القمة الرئيسية إمكانية إنشاء وكالة تصنيف ائتماني جديدة تنافس الوكالات الغربية، التي تعتبرها روسيا عرضة للتسييس، كما تمت مناقشة إنشاء شركة إعادة تأمين بديلة، بالإضافة إلى نظام مدفوعات جديد لبطاقات الائتمان لتسهيل المعاملات المالية بين دول المجموعة.

عملة بريكس

من بين الأفكار المثيرة للجدل، دعوة بوتين لإنشاء عملة مشتركة لدول بريكس تستند إلى سلة من الذهب والعملات الأخرى غير المرتبطة بالدولار، لتعزيز استقلالية المجموعة المالية، لكن هذه الفكرة واجهت معارضة من الهند، ما يعكس التحديات المتعددة التي تواجه إنشاء عملة مشتركة بين دول ذات مصالح اقتصادية متنوعة.

وتشير تقارير إلى أن استخدام العملات الرقمية المدعومة بالعملات الورقية قد يكون الحل الأقرب للتنفيذ، وستمكن هذه العملات الرقمية البنوك المركزية من القيام بدور الوسيط الأساسي في المعاملات المالية، بعيدًا عن هيمنة البنوك المراسلة الغربية.

تهدف خطة بريكس إلى إضفاء لامركزية على النظام المالي العالمي، ما يعني تجاوز الهيمنة التقليدية للنظام المالي الأمريكي، وسيوفر ذلك استقلالية أكبر لدول المجموعة في تنفيذ مدفوعاتها الدولية، حيث سيتم تسوية المعاملات مباشرة بين البنوك المركزية للدول الأعضاء.

تحديات متنوعة

ورغم الطموحات الكبيرة، تواجه مجموعة بريكس العديد من التحديات. تختلف أهداف الدول الأعضاء في المجموعة، ما يعقّد الاتفاق على التفاصيل النهائية لنظام مالي جديد، إلا أن التقدم في التكنولوجيا المالية والابتكار الرقمي قد يسهم في تقريب وجهات النظر، ما يعزز فرص النجاح في تطوير نظام مالي عالمي جديد.

وإذا نجحت بريكس في إنشاء نظام مالي بديل، فقد يشكل ذلك بداية لمرحلة جديدة في الاقتصاد العالمي، ستسهم هذه الخطوة في تقليل الاعتماد على الدولار، ما يعزز التنوع والاستقلالية في الأنظمة المالية.

search