الأحد، 07 يوليو 2024

05:39 ص

أزمة تكاليف وطوابير.. بنما وقناة السويس تعطلان التجارة العالمية

قناة السويس

قناة السويس

ولاء عدلان

A A
سفاح التجمع

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن بالفعل، بعد تضرر حركة الشحن في اثنين من أهم الممرات الملاحية في العالم، قناة السويس وقناة بنما، على مدار الأشهر القليلة الماضية، ليخرج صندوق النقد هذا الشهر محذرًا من خطورة استمرار الاضطرابات الحالية فيهما، واحتمالات أن يواجه العالم أزمات جديدة تتعلق بتعطل سلاسل الإمداد العالمية وظهور ضغوط تضخمية جديدة. 
خلال أول شهرين من العام الحالي فقط، تراجعت حركة الشحن والمرور في قناة السويس بأكثر من 50%، بينما انخفضت التجارة عبر قناة بنما بقرابة 32%، الأمر الذي يعكر صفو التجارة العالمية ويعطل سلاسل الإمدادات، بحسب رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية الخبير الاقتصادي خالد الشافعي. 

اختناقات وتضخم 

وأضاف الشافعي أن التصعيد الأمني الراهن في مياه البحر الأحمر واستمرار جماعة الحوثي منذ 19 نوفمبر الماضي في استهداف السفن العابرة قبالة السواحل اليمنية يتزامن مع أزمة جفاف تعصف بقناة بنما التي تستحوذ على قرابة 5% من حركة التجارة البحرية العالمية، الأمر الذي تسبب بالفعل في تعطل نسبي في حركة الإمدادات العالمية، ومن المتوقع حال استمراره أن يهدد العالم، وتحديدا الدول النامية التي تعتمد على الاستيراد من الخارج بموجة تضخمية. 
وتابع أن غالبية السفن حاليا تتجنب عبور قناة السويس وتلجأ إلى طريق رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي يتسبب في إطالة مدة رحلاتها ويرفع تكاليف الشحن، وكذلك تكاليف التأمين على السفن، وفي النهاية تمرر هذه الزيادات إلى المستهلك على شكل زيادة في أسعار السلع المستوردة. 
وأوضح أستاذ هندسة البترول بجامعة فاروس بالإسكندرية الدكتور رمضان أبو العلا، أن اتجاه شركات الشحن العملاقة إلى طريق رأس الرجاء الصالح لتجنب عبور قناة السويس يترجم إلى زيادة في مدة الرحلة بقرابة 10 أيام إضافية، الأمر الذي يعني بالتبعية استهلاك وقود أكثر وارتفاع مباشر بالآلاف الدولارات في تكلفة الرحلة الواحدة، والأمر نفسه بالنسبة لقناة بنما، فسواء اختارت السفن انتظار دورها في طوابير العبور أو اختارات اللجوء إلى طرق أطول وبدائل كقناة السويس أو رأس الرجاء الصالح، فسيكون عليها دفع المزيد من الرسوم والتكاليف، هذا فضلا عن ارتفاع رسوم التأمين على السفن في ظل استمرار هذه التوترات. 
وبحسب تقرير حديث لصندوق النقد، شهدت حركة التجارة العابرة لطريق رأس الرجاء الصالح نموا بنحو 74% على أساس سنوي خلال أول شهرين من 2024، مقابل تراجع بأكثر من الثلث في قناتي السويس وبنما، وزيادة في أوقات التسليم بمتوسط 10 أيام أو أكثر، الأمر الذي يعطل حركة التجارة العالمية ويضر بمؤشرات الاقتصاد العالمي، وعلى سبيل المثال تظهر تقارير تجارة البضائع لشهر يناير في عدد من بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا تباطؤ في الورادات لأن بعض هذه الوارادات أو غالبيتها تأخر موعد تسليمه المقرر في يناير إلى فبراير. 

تراجع حركة المرور اليومية عبر قناتي السويس وبنما في مقابل ارتفاعها في رأس الرجاء الصالح

طوابير بنما 

طوابير من مئات السفن المنتظرة دورها للعبور ومزادات لتجاوز قائمة الانتظار هذا هو المشهد الحالي في قناة بنما، التي وفرت لأكثر من قرن، ممرًا سريعًا للسفن المتنقلة بين المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي، لكنها منذ العام الماضي تتعرض لموجة جفاف قاسية، ما دفعها لفرض قيود مشددة على حركة العبور، لتبدأ شركات الشحن رحلة البحث عن مسارات بديلة، من أهمها قناة السويس التي تعاني هي الأخرى من أزمة متصاعدة. 
وخفضت هيئة قناة بنما متوسط عبور السفن عدة مرات، تزامنًا مع تراجع معدلات هبوط الأمطار في البحيرات التي تغذيها  بأكثر من 50% خلال الفترة من فبراير إلى أبريل 2023، ليتراجع من 38 سفينة يوميًا بداية العام الماضي إلى 18 سفينة في فبراير 2024، كما لجأت الهيئة إلى تنظيم مزادات لتخطي طوابير الانتظار التي بلغت رقمًا قياسيًا في أغسطس 2023 بلغ 163 سفينة، خاصة مع تطبيق قواعد أولوية العبور (وفق دور السفن في طوابير الانتظار أمام فتحات العبور بالقناة والذي يجري حجزه قبل تاريخ العبور بفترة لا تقل عن 8 أيام).
وفي محاولة لتخفيف طوابير الانتظار، فرضت هيئة القناة، أيضًا قيودًا على غاطس وعمق السفن في المياه اعتبارًا من مايو 2023،  ما أثر على الوزن الذي يمكن أن تحمله السفن العابرة وتسبب في تأخير حركة المرور عبر القناة وفي رفع تكاليف الشحن، ووفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 1 نوفمبر 2023، دفعت ناقلة غاز نحو 4 ملايين دولار في أحد المزادات، لعبور القناة التي تتمتع بموقع استراتيجي في القارة الأمريكية يربط  بين آسيا وأمريكا وأوروبا. 
ورغم تراجع حركة العبور في القناة إلا أن ارتفاع رسوم مزادات العبور، أدى إلى انعاش إيراداتها خلال السنة المالية الماضية لتسجل 5 مليارات دولار بزيادة سنوية 15%.

طوابير السفن في قناة بنما 

نيران الحوثي 

وبينما تشكل قناة السويس خيارا جيدا على سبيل المثال لمشتري الغاز الأمريكي من الكوريين واليابانيين لتجاوز طوابير قناة بنما والعبور من الساحل الشرقي للولايات المتحدة وخليج المكسيك وسواحل أوروبا وصولا إلى وجهتهم في آسيا، بحسب منصة ستاندرد آند بورز بلاتس، إلا أن نيران الحوثي اعتبارا من نوفمبر الماضي شكلت تهديدا مباشرا لعبورهم من قناة السويس. 
وفي أحدث مؤشر على استمرار الأزمة، أعلنت شركة ميرسك، إحدى أكبر شركات الشحن عالميا، الأسبوع الماضي أنها لا تفكر حاليا في استئناف العبور من مياه البحر الأحمر في ظل استمرار هجمات الحوثي، مضيفة أنها لا تزال تعتقد أن الإبحار عبر طريق رأس الرجاء الصالح هو الحل الأفضل لضمان استقرار سلاسل الإمدادات. 
ومنذ بداية العام الحالي تراجعت إيرادات رسوم العبور من قناة السويس بنحو 51%، وتتوقع هيئة القناة تراجع الحصيلة العامة من الرسوم إلى 5 مليارات دولار نزولا من قرابة 10.2 مليار دولار في العام الماضي، وذلك حال استمرار هجمات الحوثي. 
من جانبه قال الخبير الاقتصادي وليد جاب الله إن قناة السويس تستحوذ على قرابة 12% من حركة التجارة البحرية العالمية، ولا يمكن استبدالها بشكل كامل إذ تشكل معبرا هاما لحركة البضائع من أوروبا والشرق الأوسط باتجاه قارة آسيا والعكس، مضيفا أن قناة السويس هي ممر استراتيجي، ومن المتوقع أن تتكيف شركات الشحن مع الأوضاع الراهنة تدريجيا، لا سيما مع اطلاق واشنطن والاتحاد الأوروبي منذ بداية العام لعملية خاصة بتأمين السفن قبالة السواحل اليمنية، الأمر الذي سيسهم في الحد من هجمات الحوثي.  

search