الإثنين، 09 سبتمبر 2024

10:25 ص

صُنع في أوروبا.. عقيدة "صلاح" التي رفعت "الرأس الأخضر"

محمد صلاح

محمد صلاح

سعيد علي

A A

في كل مرة يصرخ محمد صلاح “لا أمل سوى بالاحتراف”، يغرق اللاعب المصري في بحر النجوميّة، يعطيه المجتمع كل شيء فلا يرغب في الاغتراب وترك ملذات لن يجدها في مكان آخر مثل مصر.

عابوا عليه حينما قال "المنتالتي" سر تراجعنا، حوّلوها لمُزحة، يظنون أنهم يقللون بها من شخصه، لكن في كل مرة يعود واثقًا مثلما قالها في وداعيّة أبيدجان "الفوارق بين اللاعب المصري والأوروبي قليلة، لكن ما يصنع الفارق هو العقليّة، من فضلكم افتحوا الباب لاحترافهم صغارًا".

لقد مثّل تعليق علي محمد علي طعنة في صدري حين قال متحمسًا وقت مباراة مصر والرأس الأخضر "حكاية الراجل ده.. حكاية كبيرة سيميدو".

تركت المباراة وانشغل عقلي بما هو أبعد من حسابات الصعود في لحظتها، وسألت مَنْ حولي،  هل وصل بنا الحال أن يعاني ظهيران بحجم “فتوح” و "حمدي" أمام لاعب في الدوري القبرصي، وأبرز محطاته كانت الفيصلي السعودي.

"فتوح" الذي كان بطل معركة عام كامل بين القطبين، الذي فُتحت له خزائن مصر، وحمدي الذي ارتبط اسمه بالأهلي والزمالك في محركات البحث مئات المرات، غير قادرين على مواجهة لاعب بالدوري القبرصي.

وصل بنا الحال أن يعاني ظهيران بحجم “فتوح” و "حمدي" أمام لاعب في الدوري القبرصي

عدتُ ثانية لقول صلاح قبل أمم أفريقيا 2021 "حتى صغار القارة تفوّقوا علينا في عدد المحترفين.. افتحوا الباب من فضلكم".

لقد مرّ الرأس الأخضر، البلد الذي لم يتجاوز سكانه نصف مليون مواطن، على رأس مجموعة تضمّ بلدين حصلا على 11 لقبا وقارب عدد سكانهما 150 مليون، الحديث هنا عن كبيري القارة، مصر بألقابها السبع، وتعدادها الذي فاق 110 ملايين، وغانا بأربعة ألقابها، وتاريخها ومحترفيها وعدد سكانها الذي قارب 35 مليونا.


لم يكن تفوق الرأس الأخضر عبثيًا ولا محل صدفة، بل كانت مؤشراته واضحة منذ 2013 حين صعد للدور الثاني من البطولة، وواصل تألقه في بقية النسخ، ورغم توديعه للبطولة في 2015 فإنه لم يخسر بأي مباراة، وفي 2021 صعد للدور الثاني ولولا مواجهة “غول” القارة حينها السنغال ما ودّع.


إذًا النجاح تراكمي ومبنيّ على خطوات وخطة، راهنت في الأساس على "العقلية" الأوروبية التي ميّزت منتخبا من المهاجرين، قوامه لاعبون تركوا بلدتهم مع أسرهم نحو فرنسا وهولندا وأمريكا وغيرها.


صحيح لا يلعب أيٌّ من نجوم الرأس الأخضر في أندية ولا دوريات كبيرة، معظمهم في أندية قاع أو دوريات صغيرة، لكن سمة واحدة منحتهم التفوق، وهي التنشئة السليمة، والبناء على أسس علمية، فجميعم نشأ في مدارس أوروبية لا تعرف المحاباة، ولا تقوم اختياراتها على معايير الصداقة والروابط.

تربّوا على أيادي مدربين مؤهلين، وتلقوا رعاية كاملة، وفهموا احتياجات كرة القدم من كل زواياها، فلم تقم على مهارة عنترية فحسب مثلما يظن معظم نجومنا الذين تُهدر مواهبهم، ولعل ما يجرى لصلاح محسن في الأيام الأخيرة، والذي غيّر موازين الصفقات في مصر، خير دليل على ذلك.

الرأس الأخضر 

لقد تفوّق المنتخب المصري في الماضي على أساطير أفريقيا الذين لعبوا لبرشلونة ومدريد وكبار أوروبا، لأنهم امتلكوا عقلية تريكة، وزيدان، وأحمد حسن، وحسام غالي، ومحمد شوقي، وسقطنا أمام منتخب نجومه في قبرص وبالدرجات الدنيا في البرتغال وهولندا لأنهم افتقدوا للعقلية، بينما امتلكها المنافس المتواضع.

لم تكن إمكانيات لاعبينا معضلة، ولم تتراجع مواهب المصريين أبدًا، إننا شعب يُولد بالفطرة لاعبًا لكرة القدم، قبل أن يتحوّل إلى أطباء، ومهندسين، وضباط، ونقاشين، وسباكين.

لكن الفارق، في إدارة غيّبت العلم والمعايير والكفاءة، وسادت اللامنهجية والعشوائية في زمنها، فكانت المحصلة مثلما نرى، سيّد القارة وحاكمها يعاني مع مهاجري “الرأس الأخضر”، فهل ننتبه لصرخات صلاح؟

search