السبت، 23 نوفمبر 2024

03:50 ص

أمريكا وإسرائيل تتوعدان "الجنائية الدولية" بعد أمر اعتقال نتنياهو

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

وكالات

A A

فجأة وجدت المحكمة الجنائية الدولية نفسها في قفص الاتهام، بعدما قوبلت مذكرتا الاعتقال اللتان أصدرتهما الخميس بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت بعاصفة انتقادات إسرائيلية وأمريكية.

فاصطف الإسرائيليون، حكومة ومعارضة، لكيل اتهامات لا حصر لها للمحكمة ومدعيها العام كريم خان، كما انبرت الإدارة الأمريكية للهجوم عليها بعدما أصدرت أمري الاعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر من العام الماضي، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 44 ألف فلسطيني وإصابة عشرات الآلاف.

الاستعداد لمواجهة تداعيات قرار اعتقال نتنياهو

ويرى مراقبون أنه ربما بات يتعين على المحكمة ومدعيها العام، الاستعداد لمواجهة تداعيات قرارها، والبحث عمن يدافع عنهما في ظل تصريحات لمسؤولين أمريكيين تشي باتخاذ إجراءات ضد الهيئة القضائية الدولية.

فالسيناتور الأمريكي ليندسي جراهام رأى أنه "حان الوقت لمجلس الشيوخ الأمريكي للتحرك وفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية غير المسؤولة. يجب تمرير تشريع معاقبة المحكمة على هذا الفعل المشين وعلى الرئيس (جو) بايدن التوقيع عليه".

انتظروا ردا قويا

وتوعد مرشح الرئيس الأمريكي المنتخب لمنصب مستشار الأمن القومي مايك والتز بـ"رد قوي"، قائلا: "المحكمة الجنائية الدولية ليست لها أي مصداقية، ودحضت الحكومة الأمريكية هذه الادعاءات... لقد دافعت إسرائيل بشكل قانوني عن شعبها وحدودها ضد الإرهابيين من الإبادة الجماعية. انتظروا ردا قويا على التحيز المعادي للسامية من قبل المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة في يناير".

ورفض البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون) القرار، وتحدث البيت الأبيض عن "أخطاء إجرائية مزعجة أدت إلى صدوره".

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين بيير: "بالتنسيق مع الشركاء، بما في ذلك إسرائيل نناقش بالتأكيد الخطوات التالية".

وجاءت ردود الفعل الأمريكية متناغمة مع الاتهامات والانتقادات الإسرائيلية للمحكمة التي تتخذ من لاهاي في هولندا مقرا لها، فمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي وجه اتهامات مباشرة للمدعي العام للمحكمة ووصفه بأنه "فاسد ويحاول النجاة من الاتهامات بالتحرش ضده".

واعتبر مكتب نتنياهو أن الاتهامات موجهة لإسرائيل في حد ذاتها، مشددا على رفضها "الاتهامات العبثية والكاذبة الموجهة ضدها من قبل المحكمة الجنائية الدولية والتي تعتبرها هيئة سياسية منحازة وتمييزية... أي قرار معاد لإسرائيل لا يمكن أن يمنعنا من الدفاع عن مواطنينا. رئيس الوزراء نتنياهو لن يرضخ للضغوط ولن يتراجع ولن يتوقف حتى تحقيق جميع أهداف الحرب التي حددتها إسرائيل عند بداية المعركة".

واعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر قرار المحكمة "لحظة سوداء في تاريخها ويفقدها شرعية وجودها ونشاطها".

تجاوز في قرار المحكمة

بينما وصف وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين القرار بأنه "لاسامي وحقير ونقطة انحطاط في تاريخ المحكمة".

وذهب وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ما هو أبعد من الانتقادات، ورأى أن "الرد على الجنائية الدولية يكون بفرض السيادة على كل أرجاء يهودا والسامرة (الضفة الغربية) والبناء الاستيطاني في كل أنحاء البلاد".

وأدان يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، قرار المحكمة، معتبرا أن "إسرائيل تدافع عن حياتها ضد المنظمات المسلحة التي هاجمت وقتلت مواطنينا. مذكرتا الاعتقال هاتان مكافأة لهم".
وكتب رئيس حزب إسرائيل بيتنا عضو الكنيست اليميني أفيجدور ليبرمان، على حسابه على منصة "إكس" معلقا على القرار: "قدمت المحكمة الجنائية الدولية اليوم دليلا آخر على ازدواجية المعايير والنفاق الذي يتبناه المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة".

على الجانب الآخر، جاء موقف الاتحاد الأوروبي الذي أكد ضرورة التعاون مع المحكمة الجنائية، بما في ذلك تنفيذ أوامر الاعتقال.

قرار ملزم 

واعتبر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن قرار الجنائية الدولية "ليس سياسيا وإنما هو قرار ملزم لكل الدول الأعضاء بما في ذلك الدول الأوروبية".

ووصف قرار المحكمة بـ"التاريخي" إلا أن ثمة شكوكا كثيرة تحوم حول إمكانية تنفيذه، وعلى الرغم من ذلك يبدو أن إسرائيل عازمة على معاقبة الدول التي أعربت عن التزامها بقرار المحكمة.

فها هو وزير الخارجية الإسرائيلي يلغي زيارة كانت مقررة لنظيره الهولندي، ردا على الموقف الذي أعلنته أمستردام بالالتزام بالقرار.

ويعد نتنياهو أول زعيم إسرائيلي يتم استدعاؤه من قبل محكمة دولية بسبب أفعال مزعومة ضد الفلسطينيين في الصراع المستمر منذ 76 عاما. ويتوقع أن تقيد مذكرة الاعتقال بشكل كبير قدرته على السفر إلى الدول الأعضاء في المحكمة، بحسب شبكة (سي إن إن) الإخبارية الأمريكية.

وأصدر قضاة المحكمة الجنائية 56 أمر اعتقال من قبل، نفذ منها 21 فقط ومثل الأشخاص الصادرة بحقهم تلك الأوامر أمام المحكمة، بينما أسقطت التهم عن 7 أشخاص بسبب وفاتهم، بحسب (سي إن إن) التي أشارت إلى أن قادة سابقين صدرت بحقهم مذكرات توقيف واجهوا قيودا على قدرتهم على السفر، حيث لم يتمكنوا من المرور عبر الدول الملزمة قانونا باعتقالهم.

ومن بين أبرز القادة الذين أصدرت الجنائية الدولية بحقهم أوامر اعتقال من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي والرئيس السوداني السابق عمر البشير.

وبعد إصدار أمر الاعتقال، ترسل المحكمة طلبات التعاون إلى الدول الأعضاء، حيث لا تملك قوة خاصة بها للقيام بالاعتقالات، ولكنها تعتمد على الدول الأعضاء لتنفيذها، وهو ما تلتزم به الدول الأطراف قانونا.

ووصف إلياف ليبليتش، أستاذ القانون الدولي في جامعة تل أبيب، قرار المحكمة بأنه "التطور القانوني الأكثر دراماتيكية في تاريخ إسرائيل".

وقال ليبليتش لـ (سي إن إن): "معناه المباشر هو أن الدول الأطراف الـ124 في المحكمة الجنائية الدولية، والتي تضم معظم حلفاء إسرائيل المقربين، ستكون ملزمة قانونا باعتقال نتنياهو وجالانت في حال تواجدهما على أراضيها".

وأضاف أنه قد تكون هناك أيضا آثار أوسع نطاقا "قد تحد من قدرة أطراف ثالثة على التعاون مع الجيش الإسرائيلي".

ورأت منظمة العفو الدولية أن المحكمة "بإصدارها مذكرات التوقيف هذه، فإنها تجلب أخيرا أملا حقيقيا في تحقيق العدالة لعدد لا يحصى من ضحايا الجرائم بموجب القانون الدولي... الآن، نحث جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، والدول غير الأطراف بما في ذلك الولايات المتحدة وغيرها من حلفاء إسرائيل، على إظهار احترامها لقرار المحكمة ولمبادئ القانون الدولي العالمية، وذلك باعتقال وتسليم المطلوبين للمحكمة".

وقالت إن "محاسبة كبار المسؤولين عن سلسلة الجرائم التي ارتكبوها هي خطوة حاسمة نحو إنهاء الانتهاكات المستمرة للحقوق في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة، ومن شأنها أن تساعد في التصدي لاستمرار سلب وقمع الفلسطينيين في ظل الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي".

وبعيدا عن مغزى القرار الذي أصدرته المحكمة الجنائية وانحسار فرص تطبيقه، يبقى مصير المحكمة على المحك في ظل الانتقادات اللاذعة من قبل واشنطن وتل أبيب، وسط حالة من عدم اليقين بشأن مصير النظام القضائي الدولي ككل وامتثال دول العالم لقراراته.

search