لم يستوصوا بالوافدين خيرًا
في ظل توجهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، التي تسعى لجعل مصر منارةً علميةً ومركزًا إقليميًا ودوليًا للتعليم، تتجلى قضية الطلاب الوافدين كأحد المحاور الجوهرية التي تُعبر عن هذا الطموح الوطني، هؤلاء الطلاب، الذين تركوا أوطانهم وجاؤوا إلى مصر حاملين آمالًا عريضةً وأحلامًا طموحة، اختاروا هذا البلد وطنًا ثانيًا لهم، لا ليجدوا فيه العلم فقط، بل ليجدوا الحضن الدافئ والبيئة الداعمة، ومع ذلك، ما يحدث في بعض الجامعات يُمثل خنجرًا في قلب هذا الحلم، ويهدد بتقويض رؤية الدولة الطموحة.
فهناك من لا يعي أن الطلاب الوافدين ليسوا مجرد أرقام تُضاف إلى قوائم الجامعات، بل هم أرواح تحمل قصصًا وأحلامًا تتوق إلى التحقق، ومع ذلك، نجد أن البعض يتعامل معهم بجمودٍ أشبه بجفاف الصحراء، وقسوةٍ لا تُليق بمصر الحضارة والتاريخ، تُمارس هذه الجامعات إجراءات بيروقراطية معقدة تُثقل كاهلهم، فتتحول رحلتهم العلمية إلى دربٍ من الأشواك التي تُرهق النفس قبل الجسد، والأخطر من ذلك هو التسلط الأكاديمي، حيث يتعمد بعض أعضاء هيئة التدريس إظهار نفوذهم عبر تقييماتٍ غير عادلة، أو معاملة تفتقر إلى الحد الأدنى من الإنصاف والاحترام، هذه الممارسات لا تُسيء فقط إلى سمعة الجامعات، بل تُجرح صورة مصر ككل.
لقد أكدت القيادة السياسية، مرارًا وتكرارًا، أن مصر تسعى لتكون قبلةً للعلم والمعرفة، وأن الطلاب الوافدين هم سفراء لمصر في بلادهم، يروون عنها حكايات العلم والكرم، ومع ذلك، فإن ما يحدث في بعض الجامعات يُعد خروجًا فجًا عن هذه التوجيهات السامية، ويُثير تساؤلاتٍ عميقة حول جدية التزام هذه المؤسسات برؤية الدولة، كيف نُفسر هذا التناقض؟ كيف نسمح بأن تتحول جامعاتنا، التي كانت يومًا ما مناراتٍ للعلم، إلى بؤرٍ للمعاناة؟ أليس من الأجدر أن نُعيد إليها رونقها الذي أضاء سماء المنطقة لعقود؟
لا يُمكن إغفال الأثر الاقتصادي والاجتماعي الذي يُحدثه الطلاب الوافدون للدولة المصرية للتخفيف عن كاهل الشعب المصري فى ظل أزمة العملة الصعبة، إنهم يُسهمون في دعم الاقتصاد المصري بشكل مباشر من خلال الرسوم الدراسية التي يدفعونها، والتي تُعد مصدر دخلٍ هامٍ للجامعات، كما أن إنفاقهم اليومي على السكن والتنقل والطعام يُنشط الأسواق المحلية، ويُساهم في خلق فرص عمل جديدة. وعلى مستوى أبعد، يُمثل هؤلاء الطلاب جسورًا للتواصل الثقافي والحضاري بين مصر وبلدانهم، إنهم يُشكلون روافد للقوة الناعمة لمصر، ينقلون عنها صورةً مشرقةً عندما تُحترم حقوقهم، ولكنهم قد يُصبحون ناقلين لصورةٍ سلبية تُضر بسمعة مصر عندما يُعاملون بغير ذلك.
إن هذا المقال ليس مجرد دعوة للإصلاح، بل هو صرخة ألم ورسالة إنذار، فاستمرار الممارسات لا يُعرّض فقط مستقبل الطلاب الوافدين للخطر، بل يُهدد سمعة مصر الأكاديمية التي بُنيت على مدار عقود طويلة، وأُعلنها صراحةً: لديّ من الوثائق والأدلة ما يكفي لعرض هذه الانتهاكات على الرأي العام، وهو ما قد يُسبب أزمةً كبرى ستضرّ بالتصنيفات الدولية بلا تأكيد.
إن مصر التي نحلم بها هي مصر التي تُكرم ضيوفها، وتُعلي من شأن العلم، وتفتح أبوابها لكل من يسعى إلى المعرفة، الطلاب الوافدون هم ضيوفٌ في بيتنا الكبير، وواجبنا أن نُحسن استقبالهم، ونُهيئ لهم بيئةً تُساعدهم على تحقيق أحلامهم، كما أنها بتاريخها وحضارتها، لا تستحق إلا أن تكون منارةً للعلم والمعرفة، والطلاب الوافدون لا يستحقون إلا الاحترام والرعاية.
إن مخالفة التكليفات الرئاسية ليست أمرًا يمكن التهاون به مطلقًا، بل تستوجب المحاسبة الصارمة والعزل الوظيفي لكل من يثبت تورطه في ذلك، هذا التصرف لا يُعد مجرد تجاوزٍ إداري، بل هو خرقٌ صريح للمبادئ الدستورية والقانونية التي تُلزم الجميع بالالتزام بالتوجيهات القيادية، إن قضية الطلاب الوافدين ليست مجرد مسألة تعليمية، بل هي جزءٌ لا يتجزأ من أمن مصر القومي الذي لا يجوز المساس به تحت أي ظرف، كما أن الدولة وقيادتها تُولي هذه القضية اهتمامًا خاصًا، وتُطالب كل من لديه مشكلة بالتوجه إلى وزارة التعليم العالي مباشرةً، حيث ستجد الشكاوى آذانًا صاغية وحلولًا فورية.
إن الأمر ليس سهلًا كما قد يتصوره البعض من رؤساء الجامعات أو عمداء الكليات، أو حتى رؤساء الأقسام، إن مسؤوليتكم تجاه الطلاب الوافدين ليست مجرد وظيفة إدارية أو أكاديمية، بل هي أمانة وطنية وواجب أخلاقي، يجب أن تعوا أن أي تقصير في هذا الملف يُعد إخلالًا جسيمًا بمسؤولياتكم، ويُعرّض مؤسساتكم لفقدان ثقة الدولة والمجتمع، إن القضية تتجاوز كونها شؤونًا داخلية لتُصبح مسألة تمسّ صورة مصر وأمنها القومي. لذا، عليكم أن تكونوا على قدر التحدي، وأن تعملوا بجدية لتنفيذ توجيهات القيادة السياسية، وضمان أن تظل جامعاتنا نموذجًا يُحتذى به في العلم والكرم.
في المقال القادم، نسلّط الضوء على كارثة يعاني منها طالب وافد من دولة عربية شقيقة وغيره من العديد من الأمثلة في مرحلة أكاديمية مفصلية، وجدوا أنفسهم فى عزلة في مواجهة تحديات كان يمكن حلها بسهولة جداً لو تضافرت الجهود، ورغم وضوح الحلول وبساطتها، يقف هؤلاء في موقف المتفرج، وكأن الأمر لا يعنيهم، في مشهد يفتقر إلى أبسط معاني الإنسانية والتضامن، وفي الوقت الذي يملك فيه البعض الكثير من الإمكانيات والفرص، هناك من يواجه أزمات تكاد تسحق أحلامه، دون أن يجد يدًا تمتد لمساعدته.
المصيبة الكبرى أنه حينما حاول التواصل مع رئيس الجامعة عبر الواتساب لشرح المشكلة ومدى تأثيرها عليه، لم يلقَ إلا التجاهل التام، حيث قام بحظره بدلاً من أن يستمع إلى شكواه، هذا التصرف يوضح بجلاء مدى اللامبالاة التي يتعامل بها البعض مع قضايا الطلاب، خاصة الوافدين الذين يعانون في صمت، كان من المفترض أن يكون المسؤولون في مواقعهم أول من يتفاعل مع هذه القضايا ويسعون لإيجاد الحلول، لكن ما حدث لا يعكس إلا انعدام المسؤولية والاهتمام.
إن تجاهل معاناة الطلاب الوافدين لن يمرّ دون حساب، فالرأي العام، والقيادة السياسية لن ترحم المتخاذلين الذين يقفون موقف المتفرّج، إن صمتهم وتقاعسهم عن أداء واجبهم الإداري والأخلاقي سيضعهم في مواجهة موجة من الغضب الشعبي، حيث لن يتردد المجتمع في محاسبتهم وكشف تهاونهم أمام الجميع، التاريخ لن ينسى من وقف مكتوف الأيدي بينما كان بإمكانه أن يصنع الفارق، والرأي العام سيظل السيف الذي يقطع أوصال التخاذل واللامبالاة.
وللحديث بقية..
الأكثر قراءة
أكثر الكلمات انتشاراً