
سرقة الأبحاث العلمية.. عندما يتحول الأكاديمي إلى لص!
في زمن يفترض أن يكون فيه البحث العلمي منارة تُنير دروب المعرفة، بات يختطف في وضح النهار، وتنهب ثماره على أيدي من يفترض أنهم حراسها، لم يعد الباحث الحقيقي وحده في معركته ضد قلة الموارد والتهميش الإداري، بل وجد نفسه أيضًا في مواجهة أعداء من الداخل، أساتذة لم يعد يعنيهم من العلم إلا ألقابه، فامتهنوا السرقة الأكاديمية بسفاهة لا مثيل لها، كأنهم قراصنة ينهبون سفينة مثقلة بالكنوز ثم يرفعون عليها علم الشرف والريادة.
من يريد قتل البحث العلمي لا يحتاج إلى حرب شعواء أو قرارات قمعية، يكفيه أن يُلقي به في مستنقع البيروقراطية العقيم، الأوراق تتراكم، والتوقيعات تتطلب أسابيع، والموافقات تتنقل بين المكاتب كما تتقاذف الريح ورقة خريف ذابلة، الباحث، الذي يفترض أن يكون عقله منشغلًا بالابتكار والاكتشاف، يجد نفسه غارقًا في معارك إدارية لا طائل منها، وكأنه فارس مقيد بالسلاسل في ساحة معركة لا ترحم.
تمويل البحث العلمي
أما التمويل، فهو أشبه بمطر نادر لا يسقط إلا على أراضٍ مختارة، بينما يظل معظم الباحثين عطشى، يسيرون في صحراء الإهمال بلا زاد، في الدول المتقدمة، ينظرون إلى البحث العلمي كما يُنظر إلى الدم في الجسد، لا حياة بدونه، بينما في بعض جامعاتنا، يُعامل كترف يمكن الاستغناء عنه، أو كزينة توضع في تقارير رسمية دون أن يكون لها أثر حقيقي.
الجامعات يُفترض أن تكون حصون المعرفة، لكنها في بعض الأحيان تتحول إلى مسارح للعبث العلمي، حيث يتسلل بعض أعضاء هيئة التدريس إلى أبحاث زملائهم كما يتسلل اللصوص إلى خزائن الذهب في غسق الليل، يسرق أحدهم مجهود زميله، وينسبه لنفسه، ثم يقف على المنصات بفخر كاذب، يتحدث عن "إنجازه"، وكأن النسر الذي حلّق بجناح غيره لا يزال نسرًا.
لكن الكارثة لا تتوقف هنا، فهناك من لا يكتفي بسرقة الأبحاث، بل يتمادى في ذلك ليتقدم بها لنيل الترقيات والجوائز، أي مهزلة هذه التي تجعل من السارق عالمًا، ومن الباحث الحقيقي ضحيةً منسية؟، كيف يُعقل أن يُكافأ شخص على جريمة؟ بل كيف يُؤتمن مثل هذا الشخص على تعليم أجيال يُفترض أن يحملوا لواء النزاهة والبحث الحر؟.
الأدهى من كل ذلك هو أن هذه الجرائم غالبا ما تمر بلا حساب، إدارات الجامعات، التي يفترض أن تكون درع النزاهة الأكاديمية، تغض الطرف أحيانا، إما خوفًا من فتح أبواب فضائح أكبر، أو لأن العلاقات والمحسوبيات تحولت إلى حصانة تحمي هؤلاء، ملفات التظلمات تُدفن في الأدراج، والمشتكون يُتهمون بالحقد، وكأن الفساد قد وجد في الجامعات أرضًا خصبة يزهر فيها دون رادع.
الجامعات ليست مجرد مبانٍ وجدران، بل هي عقول وضمائر، فإذا فُسد الضمير، فلا معنى لأي شهادة تُمنح ولا لأي بحث يُنشر، إن استمرار هذا العبث يُحول البحث العلمي من أداة للتقدم إلى لعبة قذرة يتلاعب بها محترفو السرقة الأكاديمية، لا بد من وقفة حقيقية، من قوانين صارمة، من رقابة لا تترك مجالًا للعبث، وإلا سنجد أنفسنا أمام أجيال تتخرج بلا علم حقيقي، بل بمهارة واحدة فقط: كيف تسرق بذكاء دون أن تُكشف.
إلى الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي أكرر لك لا نهضة علمية بدون نزاهة، ولا قيمة لألقاب أكاديمية تُبنى على السرقات، الحل يبدأ بتشريع قوانين صارمة تُجرّم السرقة العلمية، وتفرض عقوبات حقيقية تصل إلى الفصل والغرامة المالية وسحب الدرجات العلمية والجوائز، مع إنشاء لجان مستقلة لا تخضع لضغوط المصالح الجامعية.
كذلك، لا بد من توفير تمويل عادل يذهب إلى الباحثين الحقيقيين، لا إلى المنتفعين. والأهم، إعادة ترسيخ قيم الأمانة العلمية، بحيث يصبح الاحتيال الأكاديمي وصمة عار لا تُغتفر. بدون هذه الإصلاحات، ستبقى جامعاتنا تُخرّج أجيالًا تحفظ طرق الاحتيال أكثر مما تحفظ مبادئ البحث العلمي.
الأمر لم يعد مجرد خلل، بل كارثة تهدد مستقبل العلم نفسه، أكتب هذا المقال لأنني أرفض أن تتحول الجامعات إلى مصانع للألقاب الوهمية، حيث يترقى اللصوص بينما يُحارب الشرفاء، ولقد آن الأوان لفتح هذا الملف المسكوت عنه، ومواجهة لصوص البحث العلمي قبل أن يقضي فسادهم على ما تبقى من النزاهة الأكاديمية.

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة
مراكز الدراسات.. منابر للفكر أم غرف أخبار معاد تدويرها؟
21 مارس 2025 11:51 ص
"شعب الدال".. حين تتساوى رأسك مع المزيفين
16 مارس 2025 10:50 ص
لم يستوصوا بالوافدين خيرًا
02 يناير 2025 10:47 ص
أكثر الكلمات انتشاراً