الأربعاء، 05 فبراير 2025

01:45 م

د. طارق سعد
A A

منى وهدير والأسفلت!

“قاله يا فرعون مين فرعنك.. قال مالقيتش حد يلمِّني”، مثل شعبي مصري قديم أصيل ومباشر هو الترجمة الحرفية لحالة الفٌجر الإلكتروني التي انتشرت منذ سنوات قليلة محققة أعلى نجاح في نشر الفسق والفجور والتحريض عليهما وهدم قيم المجتمع، كما وصَّفها القانون ووضعها صيغة معتمدة كاتهام مباشر للتحرش بالمجتمع من خلال تقديم محتوى من الابتذال والانحلال يروج ويؤسس لأفكار مشبوهة أخلاقياً.

الحكاية بدأت مع "حنين حسام و مودة الأدهم وهدير الهادي"، أو ما أطلق عليهن "فتيات التيك توك" السارحات في الفضاء الإلكتروني يفعلن ما يحلو لهن حتى وصلت الأمور لمداها ووقعن في واحدة من أهم وأخطر القضايا التي تخطت الفعل الفاجر "لايف" إلى غسيل الأموال والدعارة الإلكترونية والاتجار في البشر، فيبدو أن كلمة "فضاء" المقترنة بالإلكتروني تم فهمها بشكل خاطئ حرفياً على أنه "فاضي" بلا رقيب ولا حساب وعقاب!

حكاية "منى فاروق" و"هدير عبد الرازق" الـ +18 مختلفة عن سابقاتهن متشابهة مع بعضهن الاثنتين في التفاصيل والتسريب فالفضيحة واحدة ورد الفعل واحد واللافتة "إن لم تستح فاعل ما شئت"، لكن حكاية "منى" هي الأصعب، فأولها كنا أمام مشروع نجمة الجميع يرشحها للصفوف الأولى بقوة وينتظرها في أعمال مهمة يراها فيها بطلة، لكنه تفاجأ بها بطلة لعمل من نوع آخر خسرت به كل شيء قبل أن تبدأ مشوارها.

فبدلاً من أن تصبح نجمة فنية سينما وتليفزيون تحولت لنجمة "الخطيئة" وبدلاً من أن تخجل و"تختشي" قررت المواجهة باعتبارها ضحية ولكن قرارها جاء من منعطف الغباء الذي جعلها تدخل في خصومة مع الجمهور على مواقع الـ "سوشيال ميديا"، وتظل خطيئتها تلمع وتنبض حية في الوقت الذي يفترض أن تبحث فيه عن وأدها فتمادت في أفعالها عبر بثها فيديوهات على تلك المواقع مع "بوستات" وتعليقات زادت من خصومتها مع الجمهور حتى وصل بها الحال إلى الفٌجر في الخصومة والاشتباك المباشر مع الجمهور عبر مجموعة من فيديوهات "لايف" تخطت فيها كل الخطوط الحمراء بشكل صادم وكل من يتابعها سيكتشف أنها تعاني من خلل نفسي واضح يجعلها تمارس أفعالاً مشينة وغير طبيعية حتى وصل بها الحال للمدح في أنوثتها وتفاصيلها أمامهم بغرض الكيد كما صور لها عقلها المريض لتنتهي المهزلة بمثولها أمام القضاء بسبب مخلفاتها الإلكترونية.
أما "هدير عبد الرازق" فكانت واضحة من البداية وظهورها على المواقع والصفحات جاء بعد طلاقها من رجل أعمال يفوق عمر والدها وقدمت فيديو دراماتيكي منهارة تبكي وتشكي ومعظم الفيديو +18 في المصطلحات والكلمات المباشرة والإيحاءات، ثم ظلت تائهة مشردة إلكترونياً بلا هدف حتى استقرت أن تلتزق بلقب "بلوجر" وقدمته به أسوأ ما يمكن تقديمه من فُجر وانحطاط في المحتوى والتصق بها لقب ووصف يصعب كتابته جعلها "شرذمة" وسط محتويات الـ "سوشيال ميديا" حتى جاءها التسريب من حيث لا تدري وبدلاً من محاولة علاج التسريب وإصلاح ما زاد في إفساده.

إلا أنها أيضاً اختارت طريق "منى" في المواجهة والفُجر في الخصومة الذي جعلها تطلق تهديدات لمهاجميها من منطلق "إنتوا ماتعروفش أنا مين وأقدر أعمل إيه" - آه والله – رغم أن الجميع أصبح تماماً يعرف "هي مين وتقدر تعمل إيه" لتصبح شريدة مُلطمة بين قاعات المحاكم والنيابات بين تحقيقات وأحكام واستئناف وهي نتيجة طبيعية لما تعاني منه من خلل نفسي واضح للكفيف مثل زميلتها "منى" ولكن أن يصل الخبل بها وبوالدها ووالدتها أن يحتفلوا بحكم مع إيقاف التنفيذ وغرامة مالية ويسوقونه كبراءة ليتحدوا به المهاجمين لأفعالها فنحن تخطينا حد العبث بالأعبث عبثاً!

الحقيقة أن "منى" و"هدير" وأشكالهن لم يتعظن مما حدث مع سابقاتهن خلف القضبان في قضية الـ "تيك توك" وكأن السجن وضياع المستقبل غير كافٍ للردع وهو ما يأتي كنتيجة طبيعية لحالة الانحلال الفكري والسلوكي قبل الأخلاقي المصابات بها فالانحلال الأخلاقي ليس البداية ولكن البداية الفعلية بانحلال الفكر الذي يقود صاحبه إلى انتهاج السلوك المنحل الذي يحقق له الأهداف التي رسمها فكره المنحل قبله والذي يصل به في نهاية طبيعية إلى انحلال أخلاقي ليس له علاج.

العلاج يبدأ من الفكر وهو الأولى والأصعب في مجتمع انفك حرفياً وتاه منه الصواب والتصق بالخطأ .. فكر جعل شهوة الحصول على المال بأسهل الطرق بلا مجهود أو تعب هي بوابة الشيطان التي يعبث فيها بأجسادهن ويقدمونها قرابين الغنى الفاحش وإذا أمعنت في الحقيقة ستجد أن "منى" و"هدير" وأشكالهن في الأصل ضحايا للتفكك الأسري وانعدام التربية فالأصل ستجده في بيوتهن التي ترك فيها الأب والأم بناتهم بلا رقيب ولا حساب ولا علم بما يفعلن وغض النظر عن أي شيء طالما "القرش حاضر" ويا الله لو كان "ورق أخضر" فليذهبن إلى الجحيم بـ "زفة بلدي" طالما المقابل مجزي و"كاسر العين" لتصبح في قاموسهم معاني الشرف والأخلاق والحلال والحرام "دقة قديمة" بلا معنى .. وإذا اقتربت منهن ستجد التفكك الأسري عامل مشترك بين الجميع "حنين" التي كانت تقوم بكل الموبقات أمام الكاميرا من حجرتها دون علم من أهلها .. و"مودة" التي جاءت إلى القاهرة هاربة من أهلها .. و"هدير الهادي" المنفصل والداها وتعيش بمفردها .. نجمات قضية الـ "تيك توك".

نفس الأزمة عند "منى فاروق" التي هربت من أهلها ووقعت في براثن مخرج شهواني يُخدِّم على شهواته بشهرته وأعماله ليستمتع مستغلاً أحلام الشهرة لدى ناقصات العقل وفي النهاية تورطت هي و"حاسبت على المشاريب" كاملة وهو حر طليق يمارس حياته ونزواته كما يحلو له لتصيبها حالة من الخلل النفسي والهستيريا المستمرة خاصة بعد رفض ترشيحها في أي عمل فني من أي جهة إنتاج ورفضها من النقابة نفسها .. 
وكذلك "هدير عبد الرازق" التي تعيش حياتها مستقلة بتفكيرها وبحثها عن الشهرة مقابل أي ثمن حتى أصبحت سلعة متعة يدافع عنها الأب والأم في مهزلة إنسانية حقيقية.

الخطأ هنا لا يقع عليهن بمفردهن ولكن هناك خطأ قانوني يجب الالتفات إليه في هذه النوعية الجديدة من الجرائم بتوصيفها بنشر الفجور والتحريض عليه وهدم قيم المجتمع عبر وسائل التواصل فالمتهمات يدخلن إلى أقفاص الاتهام في ذل وكسرة يبحثن عن النجاة وبألاعيب قانونية يخرجن وأول ما يصبحن "على الأسفلت" يتحولن إلى الأشد بجاحة وفُجراً في تحدٍ صارخ للمجتمع بالرغم من أنهن منذ ساعات قبلها يحلمن فقط برؤية "الأسفلت" إلا أن الحرية الزائفة التي تحصلن عليها جعلتهن أكثر شراسة في العودة لتقدمن "ريمونتادا أفجر"!

لذا يلزم إضافة بند في نهاية المعركة القضائية خاصة في الأحكام مع إيقاف التنفيذ بتوقيع المتهمات على إقرار بالحظر الإعلامي من الظهور على كل المنصات والشاشات بمجرد خروجهن على "الأسفلت" وهذا هو الهدف الحقيقي من المحاكمة لتحصين المجتمع منهن بالأخص أنهن أصبحن "سوابق" فكيف نتركهن بوصلة  توجيه لجيل جديد يتلقى ثقافته من الـ "سوشيال ميديا".

"منى وهدير والأسفلت" عنوان لعمل مشوه تلزمه نهاية بمعاقبة الآباء والأمهات المسئولين الرئيسيين عن ضحاياهم من أبنائهم والذين يجرمون بهم في حق المجتمع.

title

مقالات ذات صلة

search