الأربعاء، 05 فبراير 2025

04:10 م

  د.طارق سعد
A A

موليوود المحطة!

“بلاد العجائب”.. واحدة من القصص الساحرة التي غصنا في حكاياتها منذ الصغر وعلى مر عقود طويلة كانت تحوي في الخيال من العجائب ما يجعلك ترى ما لا ترى وتسمع ما لا تسمع.. بلادنا كان لها نصيب من لقب العجائب عندما تم اعتبار الأهرامات ضمن عجائب الدنيا السبع.. ومع مرور السنوات ولأن بلادنا بطبعها أبية فقد أبت أن تظل عجائب الدنيا سبع فقط وأضافت لهم الثامنة في مقتل.

لا تعلم لماذا دائمًا يرتبط التطوير عند المسئولين بفكر الهدم وإعادة البناء من جديد وكأنها "لازم تيجي الأرض" ثم يعاد تشكيلها بالرغم من أنه اسمه صريح "تطوير" وليس "إعادة إعمار" فالتطوير يحتاج تجديد ولمسات ساحرة تبرز مواطن الجمال والقوة وتساعد في التسويق وبالتالي تحقيقي مكاسب كنتيجة طبيعية لهذا التطوير فالأهم دائمًا أن يكون التطوير محسوسًا ليس بالاسم ولا بالأسماء الرنانة.

الكاتب الصحفي الكبير "أحمد المسلماني" واحد من أهم الرموز الصحفية التي تحمل في جعبتها الثقافة والمعرفة وبرنامجه الذي ظل يقدمه لعدة سنوات باسم "الطبعة الأولى" هو بالفعل أحد أهم البرامج التي ظهرت على الشاشات ومن أوائل البرامج التي ساهمت في تشكيل وعي المشاهد وتعريفه بخيوط المؤامرة على المنطقة بمنتهى السلاسة والعمق في نفس الوقت فكان تنصيبه رئيساً للهيئة الوطنية للإعلام بشرى سارة للجميع لما يتمتع به من مصداقية ورؤية متميزة.

قرار التطوير لـ "ماسبيرو" كان أول وأهم قرارات "المسلماني" وهو قرار ينتظره الجميع بلا استثناء منذ سنوات طويلة فقد فيها الأمل في رؤية "ماسبيرو" بما يليق به وبالطبع أولى القرارات الحتمية تكون بترشيد النفقات وطبيعي أن يتم دمج قنوات مع بعضها خاصة أنها تقدم محتوى متشابه بأسماء مختلفة وهو قرار في غاية الحكمة للقدرة على تركيز الوجبة الإعلامية للمشاهد وتقديم محتوى مفيد له قيمة ولكن.

دائمًا كما نقول "الحلو ما يكملش" وكأننا مكتوب علينا دائمًا عدم اكتمال الفرحة فخرج علينا رئيس الهيئة يزف بشرى يراها سارة لفكرة يراها مبدعة ومبتكرة.. سنحول قنوات النيل إلى "موليوود" تيمنًا ببركة "هوليوود أمريكا" و"بوليوود الهند" و"نوليوود نيجيريا" ونضيف لهم بصمتنا الساحرة لتبقى "موليوود البلد" في حضرة الـ "وود"!

ليس المستغرب من عموم الشعب المصري اسم "موليوود" فقط والخاص بإحدى فروع السينما الهندية ولكن المستغرب فعلًا أن يصدر هذا الاسم من كاتب كبير بحجم وثقافة "أحمد المسلماني" بل أن تمر على خاطرته الفكرة من أساسها دون أن ينتبه لها ولمعناها ولتبعاتها فيتعطل قطار التطوير في أول محطة والأكثر دهشة أن تمتلك "براند" خاص بك وهو "النيل" رمز أصيل للبلاد وعنوانها وتأتي لتمحيه وتضع مكانه تحريفاً غير مناسب ولا لائق بالمرة باعتباره التطوير وإعادة تسويق ليبقى السؤال الذي يواجهه رئيس الهيئة الملتصقة بالوطنية.. هل محو الهوية في هذه المحطة الفارقة والاقتران بهويات أخرى لا تمثلنا هو التطوير؟ هل هذا هو الـ "فرنشايز" أو العلامة التجارية التي ستفتح خزائن الأموال؟ وما الذي ستعبر عنه "موليوود المحطة" من ثقافة؟!

للأسف ظهور أول غير موفق تمامًا  حتى وإن كان بإيعاز من مستشارين أو مقترحين ففي النهاية يبقى السيد رئيس الهيئة هو المسئول عن هذا الطرح الذي تراجع عنه أمام ردة الفعل الغاضبة من الجميع بلا استثناء وموجات السخرية ليعود ويعلن أنه مجرد اقتراح فقط ومتاح للمناقشة والحقيقة لا تعرف أية مناقشة في أن تستبدل اسمك وعلامتك المميزة التي يأتي إليها السائحون من كل بقاع الدنيا لتستبدله باسم خاص بكيان آخر في دولة أخرى صنعت تاريخها به فنحن لسنا فقراء التاريخ ولا المعالم للحد الذي يجعلنا نلتصق بغيرنا وبمنطق "إيه اللي جاب القلعة جانب البحر" نسأل .. "إيه اللي جاب ماسبيرو والنيل جانب الخشب – Wood"؟!

يقينًا جازمًا أن الكاتب الكبير "أحمد المسلماني" كان سيتخذ نفس رد الفعل الرافض الساخر على هذا المقترح لو كان مازال بمقعده وسط الجماهير ولكن آفة بلادنا هي الكرسي الحكومي الذي يبتلع الإبداع فلا تفهم ما الذي يتغير عندما يجلس المبدعون على هذا الكرسي!

الحقيقة أن الكاتب الصحفي الكبير "أحمد المسلماني" رجل مثقف وخلوق وأحد رموز الجيل ولا خلاف عليه مطلقًا وربما سقف طموحنا في تواجده في منصبه كرئيس للهيئة الوطنية للإعلام ارتفع بشدة لما يتمتع به من رؤى يحتاجها الإعلام في هذه الفترة الحساسة وننتظر منه الكثير لذا يبقى الرجاء أن يدير السيد "أحمد المسلماني" مهام منصبه الجديد بعقل وروح الكاتب الصحفي "أحمد المسلماني" وليس بعقلية رئيس الهيئة الوطنية للإعلام وسيكون هذا هو التطوير الحقيقي.

title

مقالات ذات صلة

search