حين يحل السوريون بأرض..؟
لم أر شعباً يتكيف مع ظروفه مهما بلغت صعوبتها مثل الشعب السوري، فهو لا يتسم بقدرته على الصبر فقط، لكن يحوّل معاناته إلى نجاح استثنائي، ولا يحل أبناؤه بأرض دون أن يتركوا بها بصمة واضحة.
قد تجد هذه السمات الرائعة لدى أفراد أو جماعات صغيرة بشعوب أخرى، لكن من النادر أن تتوافر جماعياً في أمة، تتعرض لمحن قاسية على مر عقود طويلة، ورزح أبناؤها تحت وطأة حكم مستبد فاشي فاشل لأكثر من 53 عاماً.
حين شد عشرات الآلاف من السوريين الرحال إلى مصر، بعد دخول بلادهم في دوامات عنيفة من الفوضى مع موجة الثورات التي شهدتها دول عربية عام 2011، كان لديهم قناعة راسخة بأنهم لن يكونوا مجرد لاجئين في بلادنا، أو حتى ضيوف لفترة من الوقت، بل أصحاب بيت يقيمون فيه بحرية.
اليوم وفيما تشهد سوريا بداية حقبة جديدة من تاريخها بعد النهاية البائسة لحكم عائلة الأسد، يمكننا أن نستخلص دروساً وعبراً من هذه التجربة الثرية، فحين توافد السوريون إلى مصر كان من بينهم أصحاب مال وأعمال، تمكنوا من جلب مدخراتهم معهم..
وعلى عكس نماذج كثيرة مشابهة لأشخاص ينتقلون إلى بلدان اخرى، ويفضلون حماية أموالهم بنوع من التحوط الآمن سواء بشراء عقارات أو ذهب أو إيداعها في البنوك، شرع السوريون مباشرة في إقامة مشروعاتهم الخاصة أو بالشراكة مع مصريين..
والسبب ببساطة أنهم أصحاب حرفة، ولديهم مهارات استثنائية في مجالات بعينها مثل المطاعم، التي تحولت إلى ماركة مسجلة باسمهم، ومن ثم انتشرت الشاورما السوري في معظم المدن الكبرى بمصر.
ويقول أحدهم خلال مقابلة صحفية إنه "فضل الذهاب إلى مصر لأن المهاجرين، خصوصاً السوريين ينعمون باندماج كامل مع المصريين، فلا مخيمات ولا قيود على أماكن المعيشة أو العمل، عكس أغلب الدول العربية والأجنبية".
ومن عجز عن الخروج بأمواله، لم يستسلم لليأس والإحباط أو ينتظر المساعدات والإعانات، بل شرع على الفور في شق طريقه حتى لو اضطر إلى البداية من الصفر، مثل سوري كان يمتلك مصنعاً للملابس في بلاده، واضطر إلى إغلاقه حين دخلت سورياً في دوامة من العنف وغابت الحلول القريبة للصراعات المشتعلة هناك.
ومن صاحب مصنع كبير إلى شخص بسيط لا يكاد يملك ما يعينه على العيش، لكنه لم يقف محلك سر منتظراً المساعدة، بل عاد إلى الأصل الذين نتحدث فيه عن غالبية السوريين، وهي الحرفة.
الرجل استأجر محلاً للخياطة، وحقق نجاحاً لافتاً، وتوسعت أعماله، ثم افتتح محلاً أكبر لبيع الاقمشة والعباءات السورية المطرزة، ثم توسعت أعماله ليفتتح أفرع عدة ويسترد نشاطه وثروته في غضون سنوات قليلة..
من هنا نعرج إلى حالة أثارت جدلاً واسعاً في الساعات الأخيرة، تتعلق بالفيديو المنتشر لسيدة مصرية اقتحمت صيدلية وهاجمت بضراوة صيدلانياً سورياً، أمه مصرية، دون أي مبرر أو سبب مقنع، وكالت إليه العبارات القاسية صارخة أنه واقرانه يستولون على فرص عمل كانت مستحقة لمصريين!
وهذه السيدة من وجهة نظري انعكاس لثقافة منتشرة بكل أسف، لدى اشخاص لا يرحمون ولا يتركون سبيلاً لرحمة الله!
نجاح السوريين في مصر أكبر دليل على أن بلادنا تمنح الفرص لمن يستحقها، وتفتح أبواباً واسعة لكل مجتهد مكافح ماهر في مجاله،
ولا يمكن لمصر أو لأي بلد آخر في العالم أن تمنح المثل للشكاء البكاء الكسول المتراخي الذي يقضي ليله على المقهى وينام طيلة النهار!
آلاف المصريون حققوا نجاحاً مبهراً في الخارج، لأنهم غامروا وخرجوا بعيداً عن "منطقة الراحة"، فبكل أمانة نحن نربي أبناءنا بطريقة خاطئة ترسخ فيهم التواكل والكسل والتراخي، إذ أنه من غير المنطقي أن ينفق الأب أو الأم على ابنهما بعد تخرجه من الجامعة بحجة أنه لا يجد فرصة عمل!
بالله عليكم استوعبوا ما يجري في العالم، وادرسوا المستقبل جيداً، ففي أمريكا وأوروبا يعتمد الابن أو الابنة على نفسيهما بمجرد تخرجهما من الثانوية العامة، بل وقد لا يسمح لهما بالبقاء في منزل الأسرة، حتى يتمتع بالاستقلالية ويستطيع الاعتماد على نفسه في حياته..
هناك مدن بعينها في مصر تشتهر بهذه الجودة، فيشب أبناؤها في سن مبكرة على هذه القيم، ويتعلمون حرفاً تؤمن لهم مستقبلاً مضموناً مثل صناعة الأثاث في دمياط..
لقد هنأ الرئيس عبدالفتاح السيسي السيد أحمد الشرع على تولي رئاسة سوريا خلال المرحلة الانتقالية، وهذا تطور مهم يعكس أهمية التقارب بين البلدين.
وضرب السواد الأعظم من المصريين مثلاُ رائعاً في كرم الضيافة وإظهار الحب والمودة لأشقائهم السوريين، سواء عند استقبالهم أو خلال توديع الذين قرروا العودة منهم إلى بلادهم، وهكذا يجب أن تدوم المحبة بين شعبين عانا كثيرا ويستحقان الأفضل..
الأكثر قراءة
-
"جوزك في بيتك".. سيدة تتهم سائق شركة نقل ذكي بالتعدي عليها
-
لينك نتيجة الصف الثالث الإعدادي محافظة الدقهلية بالاسم ورقم الجلوس
-
تشكيل الأهلي المتوقع ضد مودرن سبورت.. جراديشار يقود الهجوم
-
موعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة الشرقية 2025
-
نتيجة الشهادة الإعدادية الأزهرية 2025 عبر البوابة الإلكترونية.. من هنا
مقالات ذات صلة
المستشار محمد نجيب يكتب: تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.. يا للوقاحة!
27 يناير 2025 12:19 م
قبل أن تخسر الجلد والسقط!
01 يناير 2025 08:49 م
صور عارية.. وخطر أقرب مما نتصور!
23 ديسمبر 2024 05:19 م
الناجحون في زمن الفشل!
17 ديسمبر 2024 03:31 م
أكثر الكلمات انتشاراً