الخميس، 30 يناير 2025

07:49 ص

المستشار محمد نجيب يكتب: تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.. يا للوقاحة!

في فيديو متداول، رفض سائق تكتوك بسيط تقاضي أجرة من راكب بعد أن عرف أنه فلسطيني من أهل غزة، ودخل في نوبة بكاء معتذراً عما يعتبره تقصيراً تجاه أشقائه في ظل تعرّضهم لحرب إبادة على مدار 15 شهراً..
السائق البسيط عبّر بتلقائية عن حالة من الحزن العميق والغضب المكتوم داخل كل منا، حالة جاهزة للانفجار في أي وقت..

لقد صدمتنا جميعاً تصريحات الرئيس الأمريكي القديم الجديد دونالد ترامب حول خطته لما وصفه بـ"تطهير غزة"، بتهجير أهلها إلى مصر والأردن.. يا للوقاحة!

بكل صفاقة، يبني خطته على مصير ثلاث دول وشعوب، مستكملاً سلسلة من تصريحاته العنجهية المبنية على ذاتٍ متضخمة غير مبررة من رجل يرى نفسه قادراً على فرض إرادته داخلياً وخارجياً دون أن يناقشه أو يراجعه أحد في ذلك..!

وهنا يأتي دور مصر فيما يخصها على الأقل، فموقف بلادنا كان واضحاً من البداية، حيال كل ما أثير حول تهجير فلسطينيّ غزة إلى سيناء، ولم تتزحزح القيادة المصرية قيد أنملة رغم الضغوط التي تعرّضت لها من أطراف عدة، ورغم محاولات التشكيك المستمرة في هذا الموقف..
وهذه كلمة حق يجب أن نقولها بصوت عال، لأن هذا هو وقت الاصطفاف والتأكيد بكل ما أوتينا من قوة، أننا لسنا مُطية لأحد، أو مسلوبي الإرادة..

في مثل هذه الظروف تبرز أهمية امتلاك مصر لكتلة سكانية هي الأكبر في المنطقة، فجيشنا لا يوزن بعدد أفراد العسكريين، لكن بظهيره الشعبي الذي يزيد على مائة مليون مصري، يمكنهم أن يتحولوا إلى كابوس حقيقي لكل من يفكر في المساس بأمن هذا الوطن، كائناً من كان!

السفارة المصرية في واشطن أحسنت فعلاً بإعادة نشر مقال مهم نشر في أكتوبر من العام الماضي لسفيرنا في الولايات المتحدة معتز زهران، يقول فيه إن "موقف مصر واضح: فهي لا تستطيع أن تكون جزءًا من أي حلّ يتضمن نقل الفلسطينيين إلى سيناء. فمثل هذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى نكبة ثانية، وهي مأساة لا يمكن تصوّرها لشعب صامد تربطه علاقة لا تنفصم بأرض أجداده".

كما أن بيان وزارة الخارجية الذي صدر أمس كان واضحاً شاملاً، إذ أكد رفض مصر أي مساس بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، سواء بالتوسع في الاستيطان أو ضمّ الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير، أو تشجيع نقلهم أو اقتلاعهم منها، سواء بشكل مؤقت أو طويل الأجل..

لقد تجاوز الظالمون المدى بكل ما تعنيه الكلمة، وفيما قد يصلوا بنا إلى مرحلة اليأس، فإن العواقب لن تأتي سليمة عليهم قبل أي طرف آخر، وهذا هو منطق الأمور وليس على سبيل الشعارات الحنجورية، فنحن كنا ولا زلنا طرفاً لا يمكن تهميشه في معادلة القضية الفلسطينية، لأنها قضيتنا في المقام الأول، وعدوهم هو عدونا، وسلامهم من سلامنا..


لقد استخدمت القيادة المصرية كل وسائل ضبط النفس حيال الحرب على غزة، وسعت من الساعات الأولى إلى التوصل لحلول سلمية، لكن بكل أسف لم يكن هناك من بينهم رجل رشيد، ما أدى إلى تفاقم المأساة التي استمرت عاماً وثلاثة أشهر!

وفي ظل الموقف الراهن، لا يمكن حتى الدخول في نقاش حول الاقتراح الترامبي السفيه في هذا الشأن، مهما حاول الرئيس الأمريكي الضغط في هذا الاتجاه، مدفوعاً برغبة قوية في تحقيق انتصار سياسي يعزز مجده الوهمي وجبروته الزائف!

ترامب يتعامل بطريقة المقاول والتاجر مع مصائر الناس وحقوقهم، فحين تحدث عن غزة، لم يتطرق إلى الكارثة الإنسانية التي حاقت بشعبها، بل ركز على أنها أرض رائعة تتمتع بمواصفات جميلة، وموقع مثالي، وكأنها قطعة أرض يطمع في أن يبني عليها أحد أبراجه!

من الضروري أن يفهم هؤلاء أن لحياتنا قيمة، ولأرضنا قدسية، ولبلادنا كرامة، وهذا لا يمكن أن يتحقق بالتورّط في مجرد مناقشة هذه الخطط العبثية حول تهجير أهل غزة إلى سيناء أو الأردن!

من الضروري أن يفهم هؤلاء أننا لسنا لقمة سائغة، وحين تشتد الخطوب، سيتحرك هذا الشعب كتلة واحدة خلف جيشه، وما حدث من تجاوزات خلال الفترة الأخيرة، وقوبلت بنوع من الانضباط لا يمكن أن نقبل تكرارها..

title

مقالات ذات صلة

search