الثلاثاء، 17 سبتمبر 2024

12:20 م

المستشار محمد نجيب يكتب.. لماذا الحديث عن "المساكنة" الآن؟

جدل صاخب أثير أخيراً حول "المساكنة" خصوصاً بعد تجرؤ البعض على تأييدها علناً في برامج تليفزيونية، وهو الأمر الذي قوبل برد فعل وانتقادات حادة.

لا أخفيكم قولاً إن الخوض في بعض القضايا أو الموضوعات الشائكة مثل "المساكنة" أقرب إلى السير في حقل ألغام، فنحن ننتمي إلى مجتمع بالغ الحساسية لا يتقبل الرأي الآخر بسهولة، بل لا يستمع إليه من الأساس.

ومع ذلك، أراها فرصة مناسبة لفتح باب النقاش سوياً في مسألة جدلية، وسنحاول كالعادة إثارتها من زاوية أخرى، 

الخلاف احتدم مجدداً بعد تصريح المخرجة إيناس الدغيدي لأحد البرامج بأنها خاضت تجربة المساكنة لمدة تسع سنوات مع زوجها قبل ارتباطهما رسمياً.

تصريحها انتشر كالنار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي، واختلف الناس بين قليل مؤيد وكثير رافض صب كل اللعنات على المخرجة، وأعيد نشر تصريحات وفيديوهات لممثلين وشخصيات عامة أيدت المساكنة من قبل.

الجدل تصاعد كثيراً بعد ظهور المحامي هاني سامح في أحد البرامج التليفزيونية، مؤيداً فكرة المساكنة قبل الزواج، ومعلناً أن القانون يبيحها، وأنها لا تنتقص من حقوق المرأة، وليس لديه مانع في أن تفعل ابنته ذلك.

نقابة المحامين أصدرت بياناً أعلنت إيقافه عن ممارسة المهنة، وإحالته للتحقيق!

لدينا وقفة هنا، بعد كل هذه الزخم المثير من الشد والجذب والتصريحات وردود الأفعال الحادة، لنسأل، ما هي جدوى المجاهرة بهذا السلوك، بغض النظر عن تأييده أو رفضه؟

أقصد ، ما الفائدة التي حققتها إيناس الدغيدي من التصريح بأنها ساكنت زوجها لمدة تسع سنوات بشكل غير شرعي قبل زواجهما، وما تأثير تصرفها هي وغيرها من المؤيدين على المجتمع المصري؟

بواقعية دون مواربة أو نفاق، أعتقد أن عدداً لا بأس به يفعل ذلك في تكتم دون الحاجة إلى ملء الأرض ضجيجاً، وإثباتاً لقدراتهم الفائقة على تحدي العادات والتقاليد في مجتمع يتمسك ظاهرياً وجوهرياً بتعاليم دينه.

وأنا هنا لست بصدد لبس عباءة رجل الدين، لكن بكل موضوعية، لدينا مؤسسة دينية يجلها جميع المصريين والمسلمين عموماً، داخل بلادنا وخارجها، وهي الأزهر الشريف الذي أعلن صراحة أن المساكنة إحدى صور الزنا المحرمة في الإسلام، ومن كبائر الذنوب.

الأزهر أوضح أيضاً اللبس المتعلق برأي الإمام أبو حنيفة عن عدم وقوع حد الزنا حال وجود اتفاق مادي بين رجل وامرأة، مبيناً أنه إعمال لحديث الرسول "ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم" ومن ثم يرى أبو حنيفة وقف تطبيق حد الزنا حال الاتفاق، لكنه لم يبح الزنا.

الخلاصة، أن موقف الشرع واضح من هذه المسألة، ومن ثم لا أعتقد أن هناك مسوغاً لإثارة حفيظة المجتمع، واستفزاز مشاعره، بسلوك لن يؤذي أحداَ إذا التزم صاحبه الصمت، وله من الله ما يستحقه!

ما يستوقفني صراحة، حالة التشنج غير المبررة تجاه كل رأي مختلف، وقناعتي أن الدين ليس جداراً هشاً يمكن أن يتأثر بمثل هذه المواقف أو القناعات الغريبة، فالحديث عن هذه المسائل متكرر منذ مئات السنين، ولم ينل أحدهم من صلابة الدين أو يقوض إيمان الناس!

كما أن من الضروري أن يكون لدى الأسر حصانة ذاتية ضد هذه الأفكار، فالتربية هي الفيصل في نهاية الأمر، وما نزرعه من ابنائنا في صغرهم يضاعف من مناعتهم في كبرهم، 

وإذا انتفضنا تجاه كل غريب شاذ، فسنصاب بهوس واضطراب، ويكفي ما يتعرض له أبناؤنا له من جرعات مدمرة أخلاقياً عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات الأفلام والمسلسلات الغربية، التي تروج للشذوذ في كثير من محتواها!

يجب أن نكون أكثر هدوءًا وتركيزاً مع أبنائنا وندرك ان سياسة الحجب أو المنع لم تعد مجدية، فهم أكثر مهارة منا في الوصول إلى اي محتوى يقصدونه، ومن ثم فالتحصين الذاتي هو الحل، والحرص على التواصل والتقارب معهم باستمرار، والسماح لهم بالتعبير عن آرائهم وأنفسهم بحرية حتى نستطيع إصلاح الخلل أو تعديل المسار بأسلوب محبب لديهم، لأن نفورهم منا كفيل بهروبهم إلى واقع افتراضي مفترس!

search