الإثنين، 16 سبتمبر 2024

10:30 م

المستشار محمد نجيب يكتب.. إحنا مش من عامة الشعب!!

توجهت وأحد الزملاء إلى لقاء عمل بإحدى المؤسسات، وحرصت على ارتداء زي كلاسيكي أنيق، "بدلة وكرافتة"، فيما ارتدى زميلي بنطلون وقميص عاديين، وعلى بوابة الدخول، كان يفترض أن نبرز بطاقة العمل، لكن فوجئت بموظف الأمن يهب واقفًا، ويفاجئني بتحية مبالغ فيها، ولم يطلب مني أو زميلي أي إثبات هوية، فاستغربت موقفه، لكن أدركت لاحقًا أنه اعتقد أنني شخصية مهمة بسبب البدلة، وزميلي الذي يسير ورائي حاملاً الحقيبة سائقي!

الموقف رغم طرافته يعكس سلوكاً متأصلاً لدى فئة غير قليلة من الناس، وهو التأثر بالمظاهر، ومعاملة الآخرين على أساسها، ما يدفع البعض إلى انتحال هويات آخرين بكل ثقة وتجبر، لتعزيز مكانتهم في المجتمع، أو استغلالها في ترهيب الناس!

وأعرف شخصًا أقنع المحيطين في منطقة سكنية انتقل إليها حديثًا أنه ضابط في جهة مهمة ولم يحتج إلى ارتداء الزي الرسمي المميز للضباط، وإنما كان يكفيه نظارة سوداء مع شارب دقيق وصوت جهوري وثقة واضحة بالنفس، ليجبر معظمهم على تقديم فروض الولاء والطاعة، إلى أن اكتشفوا حقيقته بالصدفة فغادر المنطقة متسللاً!

ما سبق تقديم للحديث معكم بشيء من الشفافية عن المشادة أو المشاجرة التي حدثت بين مطرب جيلي محمد فؤاد والطبيب الشاب في مستشفى عين شمس التخصصي، لكن من زاوية أخرى بعيداً عن الجانب القانوني ومسؤولية كل طرف، فالنيابة العامة تحقق في الواقعة! هل من الطبيعي أن تحدث مثل هذه المواقف المخجلة في المستشفيات، ولماذا يجب أن يكون لأي منا حيثية استثنائية، كلاعب كرة أو فنان أو شخصية عامة أو يشغل مهنة ذات حيثية مهمة، حتى يحصل على الخدمة التي يفترض أن يحظى بها باعتباره مواطن فقط! 

هناك نوع من الاستعلاء الفج، الصارخ الكريه يخيم على هذه الواقعة، ليس من طرف محمد فؤاد فقط باعتباره فناناً شهيراً، ولكن من طرف الطبيب أيضاً!! 

ومن خلال مشاهدة فيديو الواقعة، أرى أن المطرب الذي أفل نجمه، استنكر ضمنياً عدم معاملته بالتقدير الذي يستحقه - من وجهة نظره- إذ ليس من الطبيعي أن يصرخ ويتهم الطبيب بالتراخي، ويشتبك مع طاقم المستشفى المعني بعلاج شقيقه، إذا لم يستقر في قناعته أنه ليس مواطناً عادياً! 

أما الطبيب، وأتمنى أن تتسع صدور أحبابنا الأطباء لما أقول، فقد تعامل بالذهنية الكلاسيكية لكثير من الأطباء الذي يعتبرون أنفسهم في مرتبة أعلى، ربما بحكم دراستهم الصعبة والطويلة، ودورهم بالغ الأهمية في حياتنا، لكنه كان عدائياً إلى حد ما - من وجهة نظري المتواضعة! 

هناك فوقية غريبة بين طبقات الشعب المصري، تصل في كثير من الأحيان إلى المبالغة في التجبر أو الخضوع، نحن ننحني بشكل مبالغ فيه حين نطلب شيئاً، حتى لو كان من حقنا، ونفعل ذلك بشكل فطري للأسف الشديد! 

حين يقف أحدنا أمام موظف بأي جهة، يكاد أن يتوسل الخدمة ولا يطلبها، وحين يتوجه إلى مستشفى، يجب ان يسترضي الطبيب والممرضة بل وحارس البوابة نفسه! 

وفي المقابل، يختلف الموقف كلياً، حين تدخل إلى تلك المرافق ذاتها، وانت مسنود بنجومية أو شهرة أو حيثية ما، فلن تدخل إلى الموظف العادي، بل ستتوجه مباشرة إلى مكتب المدير، وتنتظر مثل الباشا إلى أن تنتهي الخدمة دون أن تكلف نفسك عناء الوقوف أو الانتظار! 

لا شك أن فيديو تلك الشابة المصطنعة التي ادعت قرابة الفنان محمد فؤاد"استفزكم مثلي، فقد اقتحمت المستشفى، وقالت أقسى عبارة يمكن أن تسمعها الأذن حتى لو كانت واقعية وهي" إحنا مش عامة الشعب، علشان تعاملوا محمد فؤاد بالشكل ده!! 

ولا تختلف هذه العبارة عن نظيرتها الأكثر استخداماً في مصر "انت ما تعرفش أنا مين؟!!!!! وكلتا العبارتين تكشفان قبح هذه الثقافة المتأصلة لدينا "عامة الشعب" و "ما تعرفش أنا مين"، وبغض النظر، عن أن هذه الشابة المتنكرة خلف نظارة سوداء ومظهر تعتقد أنه مميز، ليست من الطبقة المخملية التي ادعت الانتساب إليها، ولا تزيد شيئاً عن العوام الذين أهانتهم، وتنصلت منهم داخل المستشفى، إلا أنني أشفقت عليها كثيراً، فهي مريضة بهوس النفوذ والاستعلاء الطبقي مثل غيرها، وخلقت لنفسها أزمة وأصبحت محط سخرية الجميع، وأعتقد أنها في حاجة إلى العلاج وليس المحاسبة! 

نحن في حاجة ماسة إلى علاج هذه الخلل الاجتماعي، وإعادة النظر في الفجوات التي تتسع بين الطبقات، فالحديث عن وجود بلدين الآن "مصر" وإيجيبت" ليس طريفاً بقدر كونه مثيراً للقلق والحقد الطبقي، ويجب أن تنتبه الحكومة إلى ذلك، وتفرض قيوداً صارمة على المحتوى التمييزي والاستعلائي، ويجب أن ينتبه محدثو النعمة من أهل الفن والأعمال وغيرهم إلى ما يصدرونه للناس من محتوى مستفز حول طائراتهم الخاصة وأساطيل سياراتهم الفارهة وقصورهم في الساحل الشمالي وغيرها من المناطق التي ربما تعكس ثراء أصحابها وليس رقيهم! 

يجب أن يحكمنا القانون سواسية، دون النظر إلى أوضاعنا المادية أو الاجتماعية، فالفوارق موجودة في جميع البلدان والمجتمعات، لكنها لا تترجم إلى أي تمييز في المعاملة!

search