الأربعاء، 25 ديسمبر 2024

03:13 م

الناجحون في زمن الفشل!

كيف تكون إنساناً ناجحاً؟ عنوان نمطي متكرر على منصة يوتيوب لآلاف من فيديوهات فلاسفة التنمية البشرية، لذا لا انوي إثارة مللك عزيزي القارئ بطرح وصفة يمكن أن تجدي مع شخص ولا تنفع مع آخر، لكن لا اخفيكم قولاً لا اجد حتى الآن إجابة مقنعة لمعيار النجاح؟

هل أنا على سبيل المثال شخص ناجح؟

أشعر بذلك، وإن كان لدي طموح مستمر في تحقيق المزيد، والسبب هو أنني لم أقبل بالحلول السهلة، وهذه ربما تكون نصيحتي الوحيدة المتواضعة للشباب، فقد امتلكت الإمكانيات لبدء حياتي في المحيط الذي أعيش به، بعد تخرجي من كلية الحقوق، ولم أكن سأعاني كثيراً في إنشاء مكتب خاص بي، وانتهاج المسار التقليدي لكل محامي، لكني قررت السفر.

وهنا ننتقل إلى معضلة أخرى، هل يناسب السفر الجميع؟

لا أعتقد ذلك، فأنا لم أسافر للعمل بمهنة أخرى، لكن تمسكت بشغفي ومهنتي وبدأت من السفر، مع قصة كفاح تقليدية عاشها كثيرون غيري، وفي النهاية قدر لي النجاح.

لا أميل إلى الأسلوب الوعظي أو الإفراط في النصح، لكن إذا قرر أحدكم السفر يجب أن يدرس البلد التي يخطط للإقامة فيها جيدا، ويتحقق من فرص العمل، حتى يطور نفسه على الأقل ويؤهلها للظروف التي يواجهها.

بدأت بقصتي لأنه في ظل الظروف الصعبة الراهنة يقبل غالبية الشباب على الهجرة، سواء الشرعية بظروفها الصعبة المعقدة، أو غير الشرعية في أوضاع غير إنسانية تجعلهم عرضة للموت غرقاً أو السجن أو المعاملة غير اللائقة من قبل الدول التي تستقبلهم.

ولعلكم مثلي تشعرون بألم وحزن عميقين حين تطالعون أخبار ضحايا الهجرة غير الشرعية، ومنهم الشباب الذين ماتوا إثر غرق قارب متهالك قبالة السواحل الليبية، وغيرهم من الذين قضوا نحبهم أثناء رحلة محفوفة بالمخاطر بحثاُ عن مستقبل أفضل.

لن أزايد على ظروف الناس، ولا يمكن أن نلوم الضحايا، فكل منا له أسبابه الخاصة، وفي ظل ضيق الحال والرزق لا يمكن أن نتبجح عليهم، ونتعالى على معاناتهم، لكن ربما أطلب منهم قليلاً من الصبر ومزيداً من السعي.

هناك قصص ملهمة لأشخاص حققوا ثراء وشهرة واسعين بعد رحلة معاناة قاسية، أجد من اللائق أن نعرج إليها  كزاوية إيجابية في هذا الموضوع، منهم النجم الأمريكي البارز سلفستر ستالوني الذي عانى حياة بالغة التعقيد، وباع ممتلكاته، وخاتم زواجه، وعاش مشرداً بعد ان فشلت محاولاته الأولى للحصول على دور في فيلم أو مسلسل، إلى أن كتب سيناريو في ساعة إلهام وتحول مصيره كلياً وصار نجم الشباب الأول في زمانه.

ولعل اكثر القصص إلهاماً، السيرة الشخصية لـ "جي كي رولينج" مؤلفة سلسلة روايات "هاري بوتر" الأشهر في العالم، فقد راودها حلم منذ الصغر بأن تصبح كاتبة، وبدأت في العمل على ذلك، لكن عرقلتها وفاة والدتها التي كانت سندها، فمرت بفترة اكتئاب حادة، واضطرت للعمل كمدرسة، ثم تزوجت لتتخذ بعد ذلك مساراً مغايراً تماماً كزوجة وأم، وفشل زواجها وانفصلت بعد عام واحد.

خاضت رولينج بعد ذلك رحلة معاناة أكثر ألماً وقسوة، إذ كانت عاطلة عن العمل وأم مستقلة، فاعتمدت على إعانات البطالة، وكانت تواجه تحديات صعبة في توفير دخل لائق لها، لكن على الرغم من ذلك لم تفقد شغفها وكانت تغتنم لحظات نوم طفلها لتكتب، 

وبعد أن أنهت مسودة روايتها الشهيرة، قوبلت برفض من 12 ناشراَ مختلفاً ما كاد أن يسبب لها إحباطاً قاتلاً، إلى ان ابتسم لها الحظ أخيراً ووافق أحد الناشرين على الكتاب لتصبح الكاتبة الأشهر في العالم والروائية الأعلى أجراً، وترجمت كتبها إلى أكثر من 80 لغة مختلفة وبيع منها أكثر من 500 مليون نسخة.

أذكرك بكلمة في الفقرة السابقة "ابتسم لها الحظ" وأؤكد عليها هنا لأن الحظ لا يبتسم إلا لمن يسعى، فلولا إصرار ستالون ورولينج ما تحولت حياتهما بهذا الشكل المبهر.

هناك مئات، بل آلاف من القصص المشابهة، لفنانين وعلماء ورياضيين عانوا المر والذل قبل أن ينالوا ما يستحقون، وللنجم الشهير كريستيانو رونالدو عبارة بالغة العمق تعكس كيف بدأت وإلى ماذا انتهت رحلة كفاح هذا الشاب المبدع الذي يقول “ الأحلام ليست الأشياء التي تراها اثناء نومك، بل هي تلك الأشياء التي تمنعك من النوم”.

 والنصيحة الذهبية إذا فتحنا باب النصائح من جميع المبدعين الناجحين في العالم، هي "افشل حتى تنجح" 

وهذه لا شك المقولة الأكثر واقعية على الإطلاق، فكيف يمكن ان نتلمس النجاح ونشعر ونفرح به، إذا لم نختبر الفشل، تماماً كشعورنا بالشبع، الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بعد جوع،  لذا لا يجب أن نخاف من الإخفاق، لأننا سنقف محلك سر ولن نتحرك أنملة من مكاننا.

سأختم مقالي بعبارة لأحد أهم الرجال في تاريخ أمريكا بل ربما يكون أبرزهم على الإطلاق "ابراهام لينكولن الذي عانى سلسلة طويلة من الإخفاقات كفيلة بأن تحطم نفسية أكثر المتفائلين في الدنيا، لكنه في النهاية حقق حلمه وأصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية بل أحد أعظم رؤسائها

لينكولن يقول "إن تحقيق إنجازات عظيمة، هو إثبات بأن الجميع قادر على تحقيقها أيضاً"

واخترت لكم ذلك لأؤكد أن جميعنا قادر على النجاح وتحقيق الإنجازات بشرط التمسك بقاعدة واحدة " الإيمان بالنفس والصبر والسعي"

title

مقالات ذات صلة

search