الأربعاء، 25 ديسمبر 2024

03:33 ص

صور عارية.. وخطر أقرب مما نتصور!

يا شريف، أقول لك ولمن في مثل سنك، اتقوا الله في أنفسكم أولاً، ثم في الشابات والنساء، وإلا كان هذا هو المصير".. العبارة السابقة وجهها رئيس الهيئة القضائية بمحكمة جنايات المنصورة المستشار بهاء الدين المري للشاب المتهم بابتزاز ابنة الفنانة شيرين عبدالوهاب قبل أن يحكم عليه بالحبس المشدد لمدة ثلاث سنوات!

لعل معظمكم تابع قضية ابنة شيرين، وهي طفلة تبلغ من العمر 12 عاماً، استدرجها هذا الشاب عبر منصة تيك توك حتى أرسلت إليه صوراً استغلها لاحقا في ابتزازها، وأحكم الخناق عليها حين علم بهوية أمها!

الطفلة البائسة فكرت في الانتحار بعد تدهور حالتها النفسية ومرورها بحالة اكتئاب حادة، لولا تدخل إدارة مدرستها التي انتبهت إلى ما تمر به من معاناة.

كثيرون ناقشوا الأبعاد الخطيرة لجريمة الابتزاز الإلكتروني، خصوصا حين يستهدف بها الأطفال، لكن لا أخفيكم قولاً أعتقد أن هناك كثيراً من التنظير، يقابله عدم إدراك حقيقي لطبيعة المشكلة ومدى تغلغلها وتعمقها، وملابساتها التقنية والنفسية والاجتماعية!

واقعة أخرى مهمة رصدها صديق وتصرف بإيجابية حيالها، إذ استوقفه -أثناء ممارسة لعبة إلكترونية- حوار دار بين شخصين كانا يلعبان معه، أدرك لاحقاً أن أحدهما طفل يقيم بإحدى الدول، وشخص بالغ من دولة أخرى.

الحوار بدأ طبيعياً في البداية، ثم تطور إلى تلميحات مخلة، واستشعر صاحبي أن ذاك الشخص البالغ يحاول أن يستدرج الطفل، من خلال إغرائه بتبادل صور وفيديوهات غير لائقة معه!

وهنا هب الشاهد على الواقعة، ونهر الشخص البالغ بشدة، وحذر الطفل من مغبة الانسياق أو الاستجابة إلى محاولات المختل الذي رد ببرود، وغادر مجموعة اللعب.

الهوس الجنسي بالأطفال أو الـ "بيدوفيليا" هو اضطراب نفسي يصيب أفراداً بالغين تجاه الصغار الذين لم يصلوا إلى سن البلوغ، ويعد نوعاً من الشذوذ،  ويمثل هؤلاء المختلون خطورة كبيرة على الأطفال لأنهم لا يستطيعون التحكم في غرائزهم!

في السابق قبل انتشار حمى السوشيال ميديا، وإدمان أطفالنا على منصات مثل تيك توك وسناب شات وغيرهما، كان من الممكن توفير حماية مناسبة لهم من خلال متابعة تصرفاتهم ومراقبتهم، والتأهب حال اقتراب شخص بالغ منهم بصورة مشبوهة أو غير لائقة!

لكن تخيلوا معي الواقع الذي نعيشه اليوم، طفل أو طفلة يقضي معظم ساعات يومه متصفحاً هاتفه، أو ممارساً لعبة إلكترونية ومتصلاً بعالم واسع مخيف، مليء بالمضطربين نفسياً وجنسيا، الذي يخفون هوياتهم الحقيقية ويدعون أنهم من السن ذاته.

لنكن واقعيين حتى ندرك حجم المشكلة، الأشخاص البالغون حسب دراسات متقدمة يكونون أقل تركيزاً وأضعف إرادة في أوقات متأخرة من الليل، ويمكنهم السقوط في فخ الاستدراج والابتزاز الإلكتروني ببساطة وسذاجة..

بل سأزيد عليكم، هناك جريمة مخيفة انتشرت قبل سنوات قليلة كالنار في الشهيم وهي تصوير الرجال وابتزازهم إلكترونيا، وسقط فيها أشخاص بارزون ذوو حيثيات بالغة الحساسية في مجتمعاتهم، من بينهم سياسيون ومذيعون ورياضيون ورجال أعمال، ولعلكم تذكرون الفيديو المخزي لرجل أعمال شهير!

القصد من ذلك أننا نحن البالغون عرضة لهذا النوع من الجرائم، فما بالكم بأبنائنا سواء كانوا مراهقين أو أطفال؟!

وهناك معضلتان أساسيتان بالقضية التي نناقشها، الأولى أن غالبية الآباء لا يتمتعون بالوعي اللازم لحماية أبنائهم من مخاطر الابتزاز الإلكتروني!

وبكل أمانة، المهمة صعبة ومعقدة، في ظل هذه السيولة التقنية المخيفة من وسائل تواصل تنهش المجتمعات وتدمر قيمها وتقاليدها، وتستعبد الكبار والصغار بمحتوى مدروس ومعد باحترافية!

أما المعضلة الثانية فتتثمل في ردود فعل الآباء حين يتعرض أبنائهم لجريمة الاستدراج والابتزاز، فيتعاملون معها كمصدر للفضيحة ويهيلون التراب على فلذات أكبادهم، خصوصا من الفتيات باعتبارهن جالبات للعار، ما يدفع بعضهن إلى الانتحار أو الهروب!

بحسب مختصين واسعي الاطلاع، تمثل البلاغات عن جرائم الابتزاز نسبة لا تذكر من العدد الحقيقي لهذا النوع من الجرائم، فالنساء تحديداً يخشين من كسر حاجز الصمت والإفصاح، خوفاً على السمعة وتحاشياً للنظرة السلبية من المجتمع.

وهذه الإشكالية لا تقتصر على دول ذات تقاليد محافظة مثل مصر والبلدان العربية، بل أنها سائدة عالمياً، في ظل عدم توفير حماية كافية للضحايا من المجتمع وليس من الدوائر الأمنية والقضائية، ومن ثم يتحتم علينا أن نغير هذا الثقافة، وندرك جيداً أن هذه الجريمة يمكن أن تطال أيا منا، صغيرا كان أو كبيراً، 

وأنا شخصياً أعرف أشخاصاً سقطوا في هذا الفخ، وهم لا يفوتون ركعة واحدة، -كما نقول- إذ أن الخطر لا يفرق بين متدين أو غير ذلك، أو بين طفل أو بالغ!

نهاية القول، انتبهوا لأطفالكم، راقبوهم، تعرفوا على أصدقائهم الحقيقيين والافتراضيين، لا تتركوهم في غرف مغلقة مع هواتفهم أو حواسيبهم أو ألعابهم الإلكترونية. 

من الآخر، كل جهاز متصل بالانترنت في يد طفل، يمثل خطراً بالغاً عليه، إذا لم ننتبه ونحرص على تحميل برامج المراقبة، واعلموا أنها جريمة مدمرة قد تقود الضحية إلى الانتحار أو تخلف لديه ندوباً نفسية لا يمكنه التعافي منها على الإطلاق!

وتذكروا أن ما ينشر لنا من صور على أي من هذه المنصات يمكن أن يرتد علينا، فطالما خرجت الصورة من جهازنا الشخصي، تصبح على المشاع ومهما حدث، يصعب مسحها أو استردادها، فاحموا أنفسكم وأطفالكم من خطر أقرب إلينا مما نتصور!

title

مقالات ذات صلة

الناجحون في زمن الفشل!

17 ديسمبر 2024 03:31 م

رسالة من صديق سوري

10 ديسمبر 2024 04:53 م

محمد صلاح.. أنا الملك

05 ديسمبر 2024 05:30 م

لوحة إنسانية في دبي

26 نوفمبر 2024 09:41 م

search