
محمد سامي و"حرمه" مي عمر .. حكايات زوجات العاملين
في يناير عام 1996، كانت العائلات المصرية تلتف في المساء حول التلفاز لتتابع بشغف إشارة القناة الأولى لتحارب برد الشتاء بدفء حلقات الدراما الرائعة لمسلسل "لن أعيش في جلباب أبي". ولم يكن فقط الأداء الاستثنائي لنخبة من الفنانين المبدعين هو السبب الوحيد لكثافة متابعة هذا المسلسل، ولا حتى الإبداع في الكتابة أو التصوير أو الموسيقى أو الإخراج أسبابًا منفردة لتلك المتابعة الكبيرة، بل كانت العقدة الخارجة عن المألوف؛ عقدة الابن المتمرد والرافض لجلباب أبيه وعمله وإرثه، فأكاد أجزم أن الملايين من المتابعين كانوا يتعجبون من موقف الابن المتمرد، ويتعاطفون مع الأب العصامي الذي كوّن نجاحاته وثروته من الصفر، ويستنكرون هذا الجحود والعقوق من عبد الوهاب نجل الحاج عبد الغفور البرعي.
وربما الفريد في هذه العقدة هو كسرها لواحد من التابوهات الراسخة في وجدان المجتمع، فقد نشأنا جميعًا على أن: "ابن الوز عوام"، و**"من شابه أباه ما ظلم"، و"هذا الشبل من ذاك الأسد"، و"إذا كان أبوك تاجرًا، ما تبقاش شحات"، و"اكفِ القدرة على فمها، تطلع البنت لأمها"**؛ الكثير من الأمثال والأقوال التي ترسخ ثقافة أن يرث الابن نجاح أبيه، سواء في حرفة أو عمل أو تجارة. وطالت تلك الثقافة حتى المناصب العامة، لتجد حكام كرة القدم أبناء الحكام القدامى، واللاعبين أبناء اللاعبين، والممثلين والمخرجين وحتى الرؤساء أبناء الرؤساء. وربما لم تكن الجينات أو الموهبة أو الكفاءة هي الأسباب الحقيقية في هذا التوارث، بل كان للواسطة والمحسوبية دورٌ هام وفاعل جدًا، مما دفع الناس إلى تسمية تلك الظاهرة باسم "أبناء العاملين".
ولأن الدراما المصرية لا تنفك أن تفاجئنا بالجديد والفريد، فقد أفرزت على مدار السنوات الأخيرة ظاهرة أخرى في المجال الفني هي "زوجات العاملين".
وهذه المرة لم تكن العقدة من خيال المؤلف كما حدث في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"، بل كانت دراما واقعية. وظهرت التجربة في البداية مع صعود نجم الممثل يوسف الشريف، حيث كانت زوجته شريكة نجاحه في الكثير من أعماله حينما تولّت تصميم أزيائه. ولمع هذا النجاح بشدة في مسلسل "كفر دلهاب" عندما قامت زوجته بعمل استثنائي في تصميم ملابس طاقم العمل، شهد له النقاد قبل المشاهدين بجودته، مما ساهم في نجاح كبير. ولكن تلك التجربة راحت ضحية الطموح، حينما قررت الزوجة أن تتخطى دور مصممة الأزياء، وتجلس في مقعد المؤلف، ليخرج علينا يوسف الشريف بواحد من أضعف أعماله وهو "كوفيد 25"، وكانت نقطة الضعف الرئيسية في هذا العمل هي الحبكة، مما جعل هذا المثال نموذجًا لخطورة ظاهرة "زوجات العاملين".
ولكن النموذج الأبرز لتلك الظاهرة في الدراما المصرية خلال الحقبة الحالية كان للممثلة مي عمر، زوجة المخرج محمد سامي. فبعد أن اصطدم حلم طفولتها بالتمثيل -لحسن الحظ- برفض أهلها، حاولت في بداياتها دخول مجال الإنتاج الفني، لكنها لم تكمل المحاولة. ثم حاولت دخول مجال الإخراج، في تجربة لم يُكتب لها النجاح أيضًا، حتى أتى مارد مصباح علاء الدين، الذي حول جميع أحلامها إلى حقائق، رغمًا عن الموهبة والأداء والكفاءة! فقد أتاح لها زوجها فرصة التمثيل الأولى في عام 2013 في دور "ولاء" في مسلسل "حكاية حياة"، وفي عام 2014 قدمها مجددًا في دور "ليلى" في مسلسل "كلام على ورق". وهنا انطلقت شرارة فنانة، تذكرنا من بعيد بشرارة "نجمة الجماهير" في تألقها السينمائي، التي كانت أيضًا -للمصادفة- إحدى زوجات العاملين.
وربما عند هذا الحد، لم تخرج الأمور عن السياق الطبيعي، إذ إن إعطاء الفرصة في بعض الأدوار الثانوية للزوجة المتطلعة أمر قد لا يثير الجدل. ولكن في عام 2016، حينما قدمها زوجها في دور "شهد" في مسلسل "الأسطورة"، الذي شهد متابعة كبيرة في ذلك الوقت، كانت بداية الجدل حول مي. فقد كان الصخب من النقاد والمشاهدين يتركز حول أهمية هذا الدور مقارنةً بالمساحة الكبيرة التي فرضها لها زوجها المخرج. ومع النجاح المشهود لأعمال الزوج، تنامت فرص مي، وتنامى طموحها، حتى أتاح لها أن تقدم البطولة المطلقة في عمل من إخراجه في رمضان 2024 تحت اسم "نعمة الأفوكاتو". وربما لم تكن ردود الأفعال حول العمل تتمحور حول جودته أو قصته، بقدر ما كانت تثير الجدل حول إصرار "سامي" على فرض موهبة زوجته.
وهذا العام، أثار الثنائي الجدل مجددًا حتى قبل بداية الموسم الرمضاني، بطرح فيديوهات تقديمية لعملهم الجديد. ولكن هذه المرة لم يقتصر الجدل حول التعاون في حد ذاته، أو حول البطولة المطلقة الجديدة المهداة من الزوج لزوجته الطموحة، بل كان حول نوعية الدور الذي تقدمه الزوجة تحت عباءة زوجها الإخراجية. وهكذا خرج الجدل من حيز الواسطة والمحسوبية إلى نطاق المقبول والمرفوض، والحلال والحرام في أيام رمضان الكريم. ودونما الخوض في أمور قد يطرحها البعض في إطار ديني أو أخلاقي، بينما يضعها البعض الآخر في نطاق الحرية الشخصية والتحرر، يبقى التساؤل قائمًا:
هل يعد إصرار "سامي" على تقديم زوجته على رقص -أقصد رأس- العمل الفني في هذا النوع من الأدوار، مجازفةً بتاريخه ومستقبله إرضاءً لطموحها المتنامي؟
وفي النهاية، تظل الدراما المصرية، بخيالها وواقعها، مرآة تعكس واقع المجتمع وثقافته بل وأحلامه أيضًا. فبالتأكيد، أبناء العاملين متواجدون في كل مكان ومجال، وأيضًا الناقمون على إرث آبائهم تمامًا كـ عبد الوهاب، وكذلك، إذا بحثت من حولك، ستجد العديد من النماذج لزوجات العاملين أيضًا. وتظل الأحكام على تلك الظواهر في الحياة حكرًا على أصحابها، ولكن في الدراما، يظل الحكم في النهاية للمشاهد.
فلنشاهد في رمضان، فإن شاهدت ما يعجبك؛ استمتع، وإن شاهدت ما يسوءك وأهل بيتك، فغيّر مؤشر الشاشة لمسلسل آخر. ولتعلم أن الأواني الفارغة أشد ضجيجًا من الممتلئة، فلا تشارك في ضجيج الترند، وأمت الفتنة بالسكوت عنها، ولا تجعل تعليقاتك عن الدراما -وإن فسدت- تخرج خارج حدود الأدب.

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة
تقديس إبليس | خارج حدود الأدب
06 فبراير 2025 09:48 م
خارج حدود الأدب| إدارة الخطيب.. بين التهليل والتضليل!
27 يناير 2025 12:50 م
عماليق غزة | خارج حدود الأدب
16 يناير 2025 04:23 م
بيض كاست | خارج حدود الأدب
30 ديسمبر 2024 12:49 م
أكثر الكلمات انتشاراً