الأربعاء، 16 أبريل 2025

08:19 م

سامح مبروك
A A

"إيه سفن إيه"... يا كورة |خارج حدود الأدب

كالعادة، كان الأهلي قد حسم لقب الدوري قبل مباراتين من نهاية موسم 1960– 1961، ولكن الصراع على تفادي الهبوط كان على أشدّه بين غزل المحلة واتحاد السويس، وكان فارق النقاط ما بين الفريقين يشير إلى نقطة واحدة فقط لصالح الأخير. وكانت نتائج أولى مباريات الحسم أكثر إثارة، حيث تعادل غزل المحلة مع الزمالك وصيف الدوري في مفاجأة كبيرة، بينما هُزم اتحاد السويس من السكة الحديد، ليتساوى الفريقان في النقاط، بينما احتفظ اتحاد السويس بأفضلية الأهداف.
وفي الجولة الختامية، كان اتحاد السويس على موعد مع البطل، الذي كان يلعب بفريق مُطعَّم بمجموعة من البدلاء، وشهدت المباراة احتساب ركلتي جزاء لاتحاد السويس، تصدى لهما عادل هيكل بنجاح، وحقق الأهلي فوزًا صعبًا ليترك مصير اتحاد السويس معلَّقًا بنتيجة مباراة غزل المحلة والترسانة، الذي كان يحتل الخانة الثالثة في جدول الترتيب، والتي انتهت في ظروف رتيبة بالتعادل، لتضمن بقاء غزل المحلة وتُطيح بـاتحاد السويس من الدوري الممتاز إلى دوري المظاليم.
 

ولكن هذا لم يكن مشهد إسدال الستار في هذا الموسم، فقد كشف تقرير الحكم شبهة تلاعب وتواطؤ بين لاعبي الفريقين، مما دفع اتحاد الكرة إلى إجراء تحقيق شامل في مباراتي غزل المحلة الحاسمتين، وتُعلن النتائج في فضيحة مزلزلة، فقد أثبتت النتائج تواطؤ بعض اللاعبين والإداريين من غزل المحلة والزمالك والترسانة لتمرير المباراتين بنتيجة التعادل، مما دفع اتحاد الكرة لشطب نتائج المباراتين، وشطب ستة لاعبين من الفرق الثلاثة، على رأسهم هداف الزمالك الأول في تلك الفترة "علاء الحامولي".

لم تنتهِ رحلة علاء الحامولي والساحرة المستديرة عند هذا الحد، فقد عمل كمعلق على مباريات كرة القدم في التليفزيون المصري، وظهر من جديد في عباءة البطل الشرير في مباراة الزمالك والمقاولون سنة 1983، حينما افتقد أبسط مبادئ التعليق الرياضي، وهي الحيادية، معلنًا بفجاجة وفظاظة انتماءه الزملكاوي الصريح طوال المباراة، التي تسيّدها الزمالك في الشوط الأول، قبل أن يقلب المقاولون النتيجة في الشوط الثاني ويتقدم بهدفين مقابل هدف، ومع نهاية المباراة سدّد أحد لاعبي المقاولين كرة سهلة وبطيئة للغاية تجاه مرمى عادل المأمور، قبل أن تتهادى الكرة داخل المرمى من بين أحضان المأمور بشكل هزلي للغاية، لتخرج معها صرخة علاء الحامولي: "إيه سفن إيه يا عادل"، وتلك السقطة كلفته الشطب من جديد، ولكن هذه المرة من قائمة المعلقين.
ولم يكن هذا الظهور الأخير للفظة "إيه سفن إيه" الاحتجاجية في كرة القدم المصرية، فبعد ذلك بعقود استخدمها القائد التاريخي لنادي الزمالك خالد الغندور في لقاء مباشر على الهواء في ضيافة مدحت شلبي على قناة “تن”. وبالأمس، في موقف مطابق لموقف علاء الحامولي، ظهر المعلق "محمد البوشي"، الذي أيضًا تنازل عن حياديته طواعية قبل أن يدخل كابينة التعليق، واختار عباءة المشجع الزملكاوي المتعصب على أحداث المباراة، لينفلت لسانه مع مخالفة لصالح الزمالك في منتصف الملعب ويصرخ من جديد: "إيه سفن إيه".

وكأن تلك الشاشات، التي تدخل كل البيوت ويطالعها السيدات والرجال والأطفال، مرتعٌ للتعصب والانحلال والجهل. كرة القدم، التي هي الشغف الأول لسكان كوكب الأرض، أصبحت صناعة يراعي القائمون عليها، عبر كل المنظمات والهيئات والقنوات، بُعدها التام عن الاستقطاب، وبالتأكيد البعد كل البعد عن الانحطاط. فكيف نسمح لكائنٍ من كان أن يتدنى لهذه الدرجة؟ وإن كان علاء الحامولي قد واجه الشطب داخل الملعب وخارجه، فحريٌّ بالقائمين على هذه القناة وتلك الرياضة في مصر إنفاذ ذات العقاب.
العقاب الرادع الذي يمنع كل من تسول له نفسه تجاوز تقاليد وأخلاقيات المجتمع من تكرار تلك السقطة، وبالأحرى إعمال المعايير اللازمة قبل انتقاء واختيار من تصل أصواتهم للملايين على الهواء مباشرة وبدون مونتاج. فالثقافة والتعليم والأخلاقيات واللباقة والذكاء، كلها عوامل مهمة ومهمة جدًا، والأهم هي الحيادية ونبذ التعصب، وألا يصبح الانتماء فقط هو الضمانة الوحيدة لتولي المناصب. لنرجُ نظرة من أصحاب القرار في المعايير والاختيارات، لأننا لسنا أصحاب قرار في مشاهدة مباراة كرة قدم على قناة واحدة تحتكر الحقوق، وبمعلق واحد يحتقر المشاهدين. زال عزكم، فقد جعلتم الرياضة في مصر "خارج حدود الأدب".

search