السبت، 01 مارس 2025

03:14 ص

  سعيد محمود
A A

رغوة العقاد الملكية

لو أخبرتك أن عباس محمود العقاد ظهر في إعلان صابون، هل ستصدق؟
 
ولو قلت لك إن إبراهيم عبد القادر المازني كتب شهادة في حق منتج نظافة شخصية، هل ستتخيل المشهد؟  

لا تتسرع في الإجابة، لأن ما ستقرأه الآن سيجعلك تعيد التفكير في كل شيء!    

البداية كانت في عام 1928، عندما قرر الحاج محمد شاهين إطلاق صابون "نابلسي شاهين"، وهو اسم مستوحى من مدينة نابلس الفلسطينية، مع إضافة اسمه العائلي ليمنحه طابعًا مميزًا.

الصابون انتشر سريعًا، لكن النقلة الحقيقية جاءت عندما قرر ربط منتجه بشخصية لا يمكن لأحد تجاهلها..

ملك مصر نفسه!  

وهكذا، ولد "نابلسي فاروق"، الصابون الذي أصبح يحمل اسم الملك، مما جعله أكثر المنتجات رواجًا في البلاد، وصار المشاهير يتسابقون للترويج له، كأنه رمز وطني أكثر من كونه منتجًا منزليًا.    

تهنئة نابلسي فاروق للملك

في عدد 22 سبتمبر 1941 من مجلة "الاثنين والدنيا"، ظهر إعلان لم يكن عاديًا على الإطلاق، ليس لأحد نجوم السينما، أو مطربًا شهيرًا، أو حتى رياضيًا بارزًا، بل كان إعلانًا مليئًا بأسماء تهز الساحة الأدبية والصحفية في ذلك الوقت.  

عدد 22 سبتمبر 1941 من مجلة "الاثنين والدنيا"

في الصفحة، نجد عباس محمود العقاد، الكاتب الذي لم يكن يجامل أحدًا، يكتب بخط يده رسالة شكر للشركة المنتجة للصابون، يقول فيها: 

"أشكر لكم هديتكم من صابون فاروق، ويسرني أن أبلغكم أنني وجدته كأحسن الأصناف المتداولة في بلادنا المصرية رائحة وتنظيفًا وذوبانًا، وهو من أجل ذلك، ومن صنعته الشرقية، ليستحق كل إقبال وتشجيع".

نعم.. العقاد، الذي كان يُهاجم الجميع دون استثناء، كتب شهادة في حق الصابون الملكي!  

لكنه لم يكن وحده. ففي الإعلان نفسه، نجد فكري أباظة، رئيس تحرير "المصور" وقتها، يكتب:  

"أرجو لهذا الصابون ما يستحقه من شهرة عملية إن شاء الله".

أما إبراهيم عبد القادر المازني، الأديب الساخر، فكتب:  

"أستطيع أن أقول بحق إن صابون نابلسي فاروق خير ما جربت من هذا النوع من الصابون، وإني لفخور بأن مصريًا أنتجه، أسأل الله له التوفيق، فإنه به جدير".

كما ظهر في الإعلان محمد خالد، رئيس تحرير "الدستور"، وعبد القادر حمزة باشا، صاحب جريدة "البلاغ"، وكلاهما كتب شهادة في حق المنتج، داعيًا إلى دعم الصناعة الوطنية.  

في ذلك الزمن، كان الأدباء والمثقفون هم رموز المجتمع، وكلماتهم تصل للجميع، لذلك لم يكن مستغربًا أن يعتمد عليهم أصحاب العلامات التجارية الكبرى.  

لكن الآن، لو عاش الحاج محمد شاهين في عصرنا، وقرر أن يختار وجوهًا إعلانية لصابونه، فمن سيختار؟  

هل سيكون أحد رواد "تيك توك" المشهورين بمقاطعهم المبتذلة، أمثال "سوزي الأردنية" صاحبة ترند "الشارع اللي وراه؟

أم نجم كرة قدم ينشر صورة للمنتج ويدغدغ مشاعر مشجعي فريقه لكسب المزيد من المتابعين على صفحته الشخصية؟

أم أحد عناصر بالونة "المهرجانات" التي انفجرت في وجه مجتمعنا، ليتحدث عن فوائد الصابون لبشرته؟  

وربما اتخذ الحاج شاهين لقب "نمبر وان" وسارع لاستغلال النجم الشهير لضمان الانتشار المضمون.

والآن، جاء دورك عزيزي القارئ لو كنت صاحب مصنع صابون اليوم، من ستختار ليكون نجم إعلانك؟

title

مقالات ذات صلة

search