
ترند وزير الصحة بين تواضع القيادة وتعالي المسؤول
في كل مرة يظهر فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي في حديث أو لقاء مع المواطنين، نجد نموذجا واضحا لما يجب أن يكون عليه المسؤول في دولة تحترم شعبها، الرئيس، رغم كونه على قمة هرم السلطة، لا يفوت فرصة إلا ويشكر المصريين على صبرهم وتحملهم، ويؤكد أن أي مشروع أو خدمة تقدمها الدولة ليست منحة، بل حق أصيل للمواطن.
وحين يتحدث عن مشروعات الصحة، لا يطالب المرضى أو ذويهم بتقديم الشكر للحكومة، بل يقولها بوضوح:
"هذا حقكم علينا"
لم نسمعه يوما ينفعل على مواطن شكا له من مشكلة، ولم نره يطلب كلمات الامتنان قبل أن ينصت للشكوى.
وفي المقابل، حين وقف عم محمد فؤاد القطاوي، الرجل البسيط الذي لا يريد أكثر من حقه في العلاج بكرامة، ليشكو من سوء المعاملة وطول الانتظار في مستشفى العدوة، لم يتلق تفهما لمعاناته، لم يحصل على وعد بحل مشكلته، بل وجد نفسه متهما بـ"نكران الجميل" لأنه لم يبدأ حديثه بـ"شكرا يا معالي الوزير"!
رد معالي الوزير الدكتور خالد عبد الغفار في الفيديو الذي رصدته عدسة زميلتنا زينة الهلالي في "تليجراف مصر"، لم يكن رد مسؤول يدرك أهمية موقعه، بصفته نائبا لرئيس الوزراء للتنمية البشرية، قبل أن يكون وزيرا للصحة، بل كان أقرب لكلام شخص يرى أن تقديم الخدمة الطبية فضل منه وليس واجبا على الدولة تجاه مواطنيها.
إذا كان نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية يرى أن على المرضى أن يشكروا الدولة قبل أن يشتكوا، فكيف نتوقع أن تتحسن حياتهم؟
وإذا كان وزير الصحة يرى أن افتتاح مركزا جديدا لغسيل الكلى هو "منة" من سيادته، فكيف نطمئن إلى أن الرعاية الصحية تقدم كحق أساسي وليس كمنحة مشروطة بالامتنان؟
إذا كان هناك من يستحق الشكر يا معالي الوزير، فهو عم محمد وزملاؤه المرضى الذين يتنقلون ليلا من قرى بعيدة بحثا عن جلسة غسيل كلوي قد تضمن لهم يوما آخر على قيد الحياة، هؤلاء الذين يتحملون مشقة الطرق والسفر والساعات الطويلة في انتظار الخدمة الطبية، ومع ذلك، حين يفتحون أفواههم للحديث، يجدون أنفسهم مطالبين أولا بتمجيد مجهودات سيادتك قبل أن يشتكوا من سوء الخدمة.
كان يمكن للوزير أن يتعلم فن الرد وجبر الخاطر من الرئيس السيسي ويقول:
"أعلم أنكم تعانون، وحقكم علينا أن نحل هذه المشكلات، وسنبحث فورا في تحسين نظام استقبال المرضى وتقليل فترات الانتظار".
لكن بدلا من ذلك، اختار الرد الذي يعكس فجوة كبيرة بين بعض المسؤولين والمواطنين، فجوة تجعل الشكوى تبدو وكأنها تهمة، والمطالبة بالحقوق تبدو وكأنها تجاوز.
عندما شكى عم محمد مما يعانيه، لم يكن يحتاج إلى درس في "الأصول"، لكنه أعطى الجميع درسا في الصبر والكرامة، حين رد على الوزير بجملة بسيطة: "فاتتني دي يا معالي الوزير.. شكرا على أفضالكم علينا"، جملة تبدو في ظاهرها شكرا، لكنها في جوهرها كاشفة لواقع مؤسف.
عزيزي الوزير، حينما يحتاج المواطن إلى شكرك لأنك قمت بواجبك، فاعلم أنك لم تفهم بعد معنى الخدمة العامة، ولا ترى في موقعك إلا "سلطة"، وفي الخدمات التي تقدمها إلا "أفضالا"، وفي شكاوى المواطنين إلا "تطاولا يستحق التوبيخ".

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة
معاوية.. الفتنة على الشاشة في رمضان
27 فبراير 2025 07:32 م
رغوة العقاد الملكية
23 فبراير 2025 07:08 م
ستينج.. عندما يصبح الوهم إنجازا!
22 فبراير 2025 04:17 م
أكثر الكلمات انتشاراً