الثلاثاء، 01 أبريل 2025

08:09 م

النصب بنكهة رقمية: كيف تسرقك التكنولوجيا وأنت تبتسم؟

في الزمن الجميل، كان النصب يتطلب مهارة. كان النصاب يحتاج إلى بدلة أنيقة، مكتب فخم، وصوت واثق يُقنعك بأنك على وشك الدخول إلى "عالم الثراء". أما اليوم؟ لم يعد بحاجة إلى كل هذا العناء. لماذا يتكلف ثمن بدلة وهو يستطيع أن يسرقك بواجهة إلكترونية لامعة وشعار عبقري مثل "استثمر الآن.. ولا تفوت الفرصة!"؟
وهكذا، وُلدت FBC منصة الاستثمار التي جاءت كالمطر في صحراء الطموحات المالية، ووعدت الجميع بأنهم سيصبحون أثرياء لمجرد الجلوس أمام هواتفهم. لا دراسة، لا خبرة، فقط اضغط هنا، ضع أموالك، شارك الرابط مع أصدقائك… وستجد نفسك في نادي المليونيرات. لكن المفاجأة؟ النادي لم يكن موجودًا من الأساس، والباب الذي دخل منه المستثمرون كان مخرجًا للطوارئ يقود مباشرة إلى الهاوية.
 

المثير للسخرية أن هذا النوع من النصب لم يعد يحتاج حتى إلى الاحتيال التقليدي. لم يكن هناك رجال مقنعون يسرقون بنوكًا، ولا رسائل بريد إلكتروني من أمير نيجيري يطلب منك تحويل الأموال. كل ما كان هناك هو "التكنولوجيا"، و"الذكاء الاصطناعي"، و"عالم جديد من الفرص المالية". كلمات براقة، تغويك، تسحرك، تجعلك تعتقد أنك أمام فرصة العمر… ثم، في لحظة، تتحول الشاشة إلى صفحة بيضاء، ويبقى الحساب البنكي صفرًا كبيرًا.
في العالم الواقعي، عندما يسرقك أحدهم، تذهب إلى الشرطة، تقدم بلاغًا، وربما تجد من يتعاطف معك. أما في العالم الرقمي؟ فأنت مجرد "مستخدم" لا قيمة له، وإن حاولت الاعتراض، ستجد أمامك رسالة من إدارة المنصة تقول "عذرًا، لقد خالفت إرشادات المجتمع".
أي مجتمع؟ لا أحد يعرف. ربما هو مجتمع اللصوص الرقميين، أو ربما هو "مجتمع الضحايا الساذجين" الذين حلموا بكسب الملايين دون أن يتحركوا من أماكنهم. في كل الأحوال، القاعدة ثابتة "أنت الخاسر، وهم الرابحون".
والمفارقة الكبرى؟ أن نفس الذين فقدوا أموالهم بالأمس في FBC، سيقعون غدًا في فخ منصة أخرى تحمل اسمًا مختلفًا، لكنها بنفس النموذج، وبنفس "المؤثرين" الذين أقنعوهم سابقًا. الفارق الوحيد؟ أن الإعلان هذه المرة سيكون أكثر احترافية، والفيديو الترويجي سيحتوي على مقاطع لطائرات خاصة وكؤوس شمبانيا في دبي.
يبدو أن النصب الإلكتروني لم يعد مقتصرًا على منصات مثل FBC فالعالم كله يتحول إلى نسخة افتراضية من الاحتيال. هل سمعت عن شراء الأراضي في "الميتافيرس"؟ رائع، لقد امتلكت قطعة أرض لا يمكنك السير عليها، ولا يمكنك تأجيرها، ولا يمكنك حتى تحديد موقعها بدون نظارة واقع افتراضي. تهانينا، أنت الآن "مالك رقمي"!
لكن انتظر… هل تعلم أن هذه الأرض ليست لك فعليًا؟ هي مجرد "ملف بيانات" على خادم تملكه شركة ما، ويمكنها حذفك في أي لحظة عبر تحديث بسيط في "شروط الخدمة". لا محكمة، لا استئناف، فقط إشعار بارد يخبرك أن أصولك قد تبخرت… لأنك "خالفت القوانين"، أو لأن الشركة قررت أن وقت الربح انتهى، وحان وقت إعادة توزيع الخسائر.
في الماضي، كان الأغنياء يشترون القصور واليخوت، واليوم أصبح الناس يدفعون الملايين مقابل "أفاتار" بملابس أنيقة في عالم افتراضي، معتقدين أنهم أصبحوا أثرياء. المضحك أن اللصوص الحقيقيين لا يشترون هذه الأشياء، بل يبيعونها… لمن؟ للذين يعتقدون أنهم "أذكى من غيرهم".
إذا استمر العالم في هذا الاتجاه، فلن يكون غريبًا أن نسمع قريبًا عن "لاجئين رقميين" أشخاص فقدوا حساباتهم ومنصاتهم وأموالهم الرقمية، ويبحثون عن وطن جديد في عالم افتراضي أكثر عدالة. وربما، ذات يوم، تصدر الأمم المتحدة "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الرقمي"، حيث يصبح للمستخدمين حق الاعتراض على القرارات المجحفة للشركات الرقمية، أو حق استئناف ضد الحظر العشوائي، أو حتى حق طلب اللجوء من منصة إلى أخرى.
لكن حتى يحدث ذلك، تذكر القاعدة الذهبية "إذا كان العرض يبدو جيدًا لدرجة لا تُصدق… فهو غالبًا عملية نصب!"، والفرق الوحيد بين النصاب القديم والنصاب الرقمي، أن الأول كان يسرقك بعد حديث طويل، أما الثاني؟ فيسرقك وأنت تبتسم… لأنك ضغطت على "موافقة على الشروط" دون أن تقرأها!

search