
يوم عادي جدا في حياة والدتي
لم أتمكن من الكتابه فى عيد الأم نظرا لمرض والدتي، لكن الحكاية مختلفة ولكى أكتب لا أعرف من أين أبدأ وفى أى زمن اكتب عنها وانا بلغت الاربعين، أم ارجع للخلف لأتذكر.
ـ سبعة أفراد بمراحل تعليميه مختلفه كنت أصغرهم.
تستيقظ والدتى يوميا عند الفجر لتصلى كنت اسمعها وهى تدعو الله أن يرزقنا ويكرمنا و يوفقنا وهذا عمل لو تعلمون عظيم ثم تذهب لإعداد الافطار ، ولكن كيف كانت تعد الفطار !!
لدينا بقرة كبيرة لا تكف عن اختلاق المشاكل متقلبة المزاج غريبة الأطوار ربما لأنها وضعت عجلا لأول مره
لكنها كانت تستكين مع والدتى وحدها وهى التى تقربها وحدها لأنها ربتها صغيره تحلب والدتى بعد أن تجود البقرة باللبن ثم تشعل والدتى الحطب ، حيث لم يكن هناك بوتاجاز فى أواخر الثمانينات وبداية التسعينات كان "الكانون " هو المطبخ وكنا نتصارع من أجل الجلوس بجانبه لننال قسطا من الدفء أو على الأرجح قسطا من حنان الام،
توقظنا بعد ذلك فردا تلو الآخر.
تكون قد قامت بتدفأة المياه أيضا بالحطب التى جمعته من الأمس من الحقول ، أو من على شاطىء النيل مباشرة حيث يقع منزلنا شمال سوهاج.
تبدأ رحلة تنظيفنا وتمشيط شعرنا وإعداد كتبنا وهى التى لا تجيد القراءة والكتابه ثم تضع لنا الإفطار خبزا ولبنا سائغ طعمه لذة للشاربين تكون بعد ذلك انتهت من تحضير ساندوتشات جبنه قديمه او جبنه فلاحى صنعتها بيديها وإن كنت محظوظا وقتها ستحصل على بيضه مسلوقه من فراخ قامت بتربيتها.
كل هذا يحدث عند السادسه والنصف لنتوجه للمدارس المختلفه بالقريه ، أبى قد استيقظ الان بعد أن ذهبنا للدراسه هو أيضا سيذهب للعمل بالحقل وعليها إعداد نفس الوجبة مجددا ودون تأخير لأنها ستتلقى حتما اللوم إن تأخرت
وهنا لم ينته يوم والدتى بل بدأ للتو
ـ تحمل والدتى كل ما أوتيت من ثمار وخضروات بكل ما أوتيت من قوة لتتوجه إلى سوق القرية
الغير بعيد أو سوق البندر البعيد
حيث تبيع وتبتاع
ـ عند الظهر نكن قد أنهينا يومنا الدراسى وعدنا وهو قرب موعد عودتها
وعند عودتها نجرى عليها جميعا مرحبين مهللين بعبارة "امى جات " لنحمل عنها وهنا لم نكن نجرى لتخفيف حملها فى اعتقادى كنا نبحث عن الأشياء الجميله والفاكهه والحلوى.
والعيش المصرى والطعميه والفسيخ وشيء يتميز به الصعيد يدعى الحلوى الحمراء والحلوى الشعر،
تبدأ رحلة جديده تعد لنا وجبة الغذاء ثم تذهب الى والدى بالحقل أيضا بما أتت به ، وبعدها تعمل معه ثم تجلب من الأرض الخضروات التى ستذهب بها إلى السوق فى اليوم التالى وتقوم بغسلها جيدا وإعدادها لتصبح جاهزة للبيع
ـ لم ينتهى يوم والدتى
تشعل الحطب للتدفأه، ثم نتحلق حول تلك الحفرة الدافئة الملتهبة فى صحن المنزل، بينما نتدفأ تكون أعدت لنا العشاء، لعلنا نذاكر دروسنا بعدها وما تحصلنا عليه من علم، ثم تسأل عن أحوالنا ومشاكلنا والعوائق التى قابلتنا في يومنا، ونحن الذين لا نعلم اى عوائق كانت وأى مشاكل حدثت معها وأ آلام اعترتها.
بعد أن تطعمنا مباشرة تطعم تلك الارانب اللعينة التى كانت تلد بعدد أنفاسها ولا تنسى الحمام المزعج الذى لا يكف عن إصدار أصوات غريبه.
وبالطبع تذهب وحدها لبقرتها متقلبة المزاج لتسقيها بعد أن جلبت لها طعامها أيضا ، ثم تحلبها ، بين كل هذه الأشياء.
كانت تطحن الفريك عبر الرحايا ليكن جاهزا لإعداد فرخه محشيه أو حمام محشى ، وتغسل حبوب القمح قبل أن تتوجه بها وهى تحملها على رأسها حتى تصل الطاحونة ذات الحجر العملاق على بعد حوالى ألفى متر من منزلنا "ما يعادل اتنين كيلو متر".
تذهب غلالا وتعود دقيقا لتصنع الخبز فى الفرن البلدى عند اليوم التالى ليكن عبئا جديدا مضافا على أعباء اليوم المعتاد.
وفي النهاية لدى تساؤل
هل تذوقت أمى طعم الرفاهية يوما فى حياتها قبل أن نصبح ناضجين !!؟
سلاما لأمى وكل أمهات العالم أو كما قال الشاعر حافظ إبراهيم
الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق .

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة
الحويني والبابا شنودة!!
19 مارس 2025 03:56 ص
لماذا تقف قباب الكنائس شامخة فى بلد الأزهر؟
15 مارس 2025 11:07 ص
"وطاويط" الإرهاب المحتمل تظهر في سوريا
09 مارس 2025 11:00 م
أكثر الكلمات انتشاراً