الخميس، 17 أبريل 2025

05:15 ص

ماكرون في جامعة القاهرة.. شكرًا فخامة الرئيس

في مشهد مهيب، وعلى أرضٍ تعانق المجد منذ أكثر من مئة عام، حل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضيفًا على جامعة القاهرة، منارة الشرق، وعاصمة الفكر العربي الحديث.

لم تكن الزيارة مجرد لقاء بروتوكولي أو محطة عابرة في أجندة سياسية، بل كانت احتفاءً بالعلم والتنوير، وتكريمًا لمؤسسةٍ حملت شعلة الوعي منذ أن بزغ فجرها في مطلع القرن العشرين، وظلت وفية لعهدها: أن تكون صوت العقل حين يصمت، ونور المعرفة حين يعم الظلام.

  هذه الزيارة الرفيعة تأتي لتُضاف إلى سجل ذهبي من زيارات كبار زعماء العالم الذين شدوا الرحال إلى هذه حرم الجامعة العريقة، إدراكًا لقيمتها الرمزية، واحترامًا لدورها الفكري والثقافي العابر للحدود، ففي  4 يونيو 2009، ألقى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما من قلب قاعة الاحتفالات الكبرى خطابه التاريخي إلى العالم الإسلامي، مؤسسًا لما أسماه "بداية جديدة" بين الشرق والغرب، وقال حينها : "القاهرة هي مهد الحضارة، ومن جامعة القاهرة يبدأ الحوار الحضاري".

من هنا، جاءت زيارة ماكرون لجامعة القاهرة كحدثٍ استثنائي، لم تُمليه فقط الروابط الدبلوماسية بين القاهرة وباريس، بل فرضه تاريخ الجامعة العريق، ورمزية المكان، وعمق الفكر الذي أدركه الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ اللحظة الأولى لتوليه مقاليد الحكم، حين رفع شعار "الدولة القوية بمؤسساتها"، وأعاد للجامعة مكانتها باعتبارها مصنعًا للقيادة، ومرتكزًا للهوية الوطنية، ومنبرًا للحوار الحضاري مع العالم.

وقوف الرئيس الفرنسي على منصة قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة لم يكن مجرد فعل سياسي، بل كان شهادة احترام لواحدة من أعرق جامعات الشرق، واعترافًا بدورها في صياغة النخبة الفكرية والسياسية في العالم العربي، منذ أن أنشئت لتكون جامعة وطنية حرة، تقاوم الجهل وتبني المستقبل، وقد جاءت هذه الزيارة تتويجًا لمسار طويل من الحضور الدولي للجامعة، يؤكد أن القاهرة لا تزال تُنصت لها العواصم، وأن مصر قادرة على تصدير الفكر والوعي.

ولم تكن هذه اللحظة لتحدث، لولا العقل المستنير للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي لم يتوقف يومًا عن دعم التعليم العالي، إيمانًا منه بأن النهضة لا تبدأ إلا من قاعات الجامعات، وأن الحضارات تُصنع حين تلتقي إرادة القيادة بجهد النخبة.

فمنذ عام 2014، شرع الرئيس في تأسيس مشروع حضاري شامل لإعادة بناء مؤسسات الدولة، على رأسها الجامعات، باعتبارها مخزون المستقبل وقوة مصر الناعمة. وجعل من التعليم العالي قضية أمن قومي، فكان الداعم الأول لإنشاء الجامعات الأهلية، والشراكات الدولية، والنهضة البحثية، وكان حريصًا على أن تعود جامعة القاهرة تحديدًا إلى صدارة المشهد.

ومن رحم هذا التوجه الوطني، خرج كثير من المفكرين والعلماء، منهم الفيلسوف الدكتور محمد عثمان الخشت رئيسها السابق، ليقود مشروعًا فكريًا لتجديد حداثة الجامعة، ويجعل من قاعاتها منابر للتنوير، ومن مناهجها ساحة لتفكيك الجمود العقلي، ومن أساتذتها قادة فكر لا موظفي مناهج، لقد أعاد الخشت للجامعة وجهها التقدمي، وربطها بالعصر، ودفعها إلى منصات التصنيف الدولي، وفتح أبوابها أمام العالم، لتكون جسرًا حقيقيًا بين الشرق والغرب.

ولم تكن الجامعة لتحتفظ بصدارتها العلمية لولا جهود قادتها في مجالات الدراسات العليا والبحث العلمي، وعلى رأسهم العالم الجليل الدكتور محمود السعيد، نائب رئيس الجامعة، الذي تصدّر اسمه قوائم علماء العالم في قائمة ستانفورد الأمريكية، ليُثبت أن أبناء جامعة القاهرة ليسوا فقط أوفياء لتراثها، بل روادًا في إنتاج المعرفة الحديثة.

ولا أنكر أن الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي، كرجل دولة، لم يتعامل مع الحدث إلا بقدر من المهنية العالية، وقد كانت زيارته ومتابعته الدقيقة لهذا الحدث الكبير، ودليلاً على أن الدولة المصرية تُحسن ترتيب رسائلها الحضارية أمام العالم، وتُدير قوتها الناعمة بعقل واعٍ وإرادة سياسية مدركة لقيمة الجامعات، أما القيادة الحالية للجامعة، للدكتور محمد سامي عبد الصادق، رئيس الجامعة، نجحت في إدارة هذا الحدث الدولي الرفيع بكفاءة واقتدار، جعلت من الجامعة مرة أخرى في قلب المشهد العالمي.

لم تكن زيارة الرئيس الفرنسي مجرد لحظة تاريخية عابرة، بل كانت علامة مضيئة في مسار طويل من ترسيخ قوة مصر الفكرية، وجامعة القاهرة، بكل ما تحمله من رمزية، لم تكن فقط مكانًا للاستقبال، بل كانت رسالة بليغة فحواها: "هنا عقل مصر.. وهنا تصنع الأمة مستقبلها"، ولم تكن استضافة ماكرون داخل هذا الصرح العريق سوى رسالة بليغة للعالم بأن مصر تمتلك رموزًا حضارية وفكرية قادرة على احتضان الحوار الدولي، وأن جامعة القاهرة ليست ماضيًا نفتخر به، بل حاضرًا ننطلق منه إلى المستقبل.

جامعة القاهرة، التي شهدت زيارات وتكريم  شخصيات بارزة مثل محمد ظاهر شاه، إبراهيم عبود، كواما نكروما، جاك شيراك، نيلسون مانديلا، باراك أوباما، ومحمد أيوب خان، والملك سلمان عبدالعزيز، وأخيراً ماكرون تظل دائمًا منارةً للعلم والحوار بين الحضارات، وعلى مر العصور، كانت وما زالت صرحًا عالميًا لا ينطفئ نوره، ويجب أن تتخذ خطوة جديدة في تقدير وتوثيق الزيارات التاريخية التي شهدتها عبر العقود، ومن هذا المنطلق، نُقترح أن يتم وضع صور لجميع الزعماء الذين زاروا الجامعة في قلب مبنى القبة، ذلك الصرح الرمز الذي طالما كان شاهدًا على التحولات الكبرى في تاريخ التعليم في مصر.

إن تخصيص ركن خاص داخل هذا المبنى العريق لعرض صور الملوك، الرؤساء، والمفكرين العالميين الذين وضعوا أقدامهم في رحاب الجامعة، سيشكل إضافة مهمة في إحياء الذكريات والتاريخ العريق للمؤسسة، سيكون هذا المعرض بمثابة تكريم تاريخي دائم لمسار الجامعة الزاخر بالعلاقات الدولية العميقة، ومصدر فخر للأجيال القادمة التي ستقف أمام صور هؤلاء الزعماء لتدرك حجم الاحترام العالمي الذي تحظى به جامعة القاهرة.

وللحديث بقية،، 

search