الجمعة، 22 نوفمبر 2024

11:02 ص

"صيد الفاسدين".. "باشوات" يتكسبون من قوت الشعب

محافظ المنوفية خلال محاكمته

محافظ المنوفية خلال محاكمته

هيثم البرعي

A A

داخل ديوان وزارة التموين بالقاهرة، يشكل العاملون باختلاف درجاتهم خلية نحل لتأمين قوت المصريين وغذائهم، تتكدس المكاتب بالعاملين، والكل منهمك في عمله، كانت الساعة تشير إلى الثامنة من صباح الإثنين الماضي، حضر مساعد الوزير لقطاع الرقابة والتوزيع في موعده، ودخل مكتبه. 

بعد ساعات، توقفت 5 سيارات، بدا من طريقة دخولها من بوابة الوزارة، أن مستقليها ليسوا زوارًا طبيعيين، تهامس عدد من العاملين لبعضهم (الرقابة الإدارية؟). بعد ثوان، تأكد للجميع أن السيارات تتبع بالفعل هيئة الرقابة الإدارية. 

900 طن سكر 

ترجّل عدد من الضباط، قاصدين 5 مكاتب في توقيت متزامن، معلنين عن اكتشاف قضية فساد متورط بها 5 مسؤولين داخل الوزارة، على رأسهم مساعد الوزير، وآخرين في شركات حكومية تتبع الوزارة، واقتادهم ضباط الهيئة، لعرضهم على نيابة أمن الدولة العليا، حيث خضعوا لتحقيقات مكثفة. 

وأكدت مصادر مطلعة لـ"تلجراف مصر"، أن ضباط الرقابة الإدارية أجروا تحريات دقيقة وباشروا متابعة لحظية للمتهمين، وعرضوا محضر التحريات على النيابة العامة، التي أذنت بضبط المتهمين، لاتهامهم بارتكاب جرائم تموينية والاستيلاء على المال العام، حيث جرى ضبط 900 طن سكر مخصصة من الدولة، قبل بيعها بأسعار تزيد عن القيمة المحددة، فضلًا عن اتهامهم بالتلاعب في وزن العبوات وعدم طبع السعر عليها، وحجب السلع التموينية.

وأضافت المصادر أن مساعد الوزير كان قد بلغ السن القانونية للتقاعد قبل عامين، إلا أن الوزير مدّ له في خدمته. وأمرت نيابة أمن الدولة العليا، بحبسه والمتهمين الآخرين احتياطيا على ذمة القضية.

 

علاء فهمي رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية الأسبق 

كلاكيت تاني مرة 

لم تكن زيارة الرقابة الإدارية لوزارة التموين، الأسبوع الماضي، هي الأولى، فقد سبقها مرات عدة، كان أشهرها تلك التي جرت يوم 29 مايو 2018، حين ألقت القبض على الرئيس الأسبق لمجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية علاء فهمي، من داخل مكتبه، بتهمة تلقي رشوة، ومدير مكتبه، ومستشاري الوزير للإعلام والاتصال السياسي (وسطاء)، و4 آخرين (مقدمي الرشوة).

وجاء القبض عليه، بعد 11 يومًا فقط من قراره باستبعاد رؤساء مجالس الإدارة في 10 شركات تابعة للوزارة، بغرض النهوض بالإنتاج. 

وأكدت تحقيقات النيابة العامة في هذه الواقعة، أن المتهم الأول طلب مبالغ مادية تجاوزت 10 ملايين جنيه من باقي المتهمين وحصل على جزء منها تمثل في مجوهرات وأجهزة إلكترونية، وأغذية وثمن تأجير سيارة لحفل زفاف ابنته، فضلا عن تعيينها في إحدى الشركات التابعة للمتهمين بتقديم الرشا، وفي أكتوبر 2019، عاقبته محكمة الجنايات بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات، وتغريمه 7 ملايين جنيه، كما شمل الحكم إعفاء باقي المتهمين (الوسطاء والراشين) من العقوبة، بعد اعترافهم، وفقا للقانون. 

صلاح هلال

صلاح هلال 

وعلى بعد أمتار من وزارة التموين، يقع مقر مجلس الوزراء القديم، والكائن بشارع قصر العيني، والذي شهد في تمام الساعة الـ5 من مساء 7 سبتمبر 2015، آخر لحظات صلاح هلال بصفته وزيرا للزراعة، والذي حضر في هذا الموعد لتقديم استقالته من منصبه، بعد 6 أشهر فقط من تعيينه. 

وبعد تقديم الاستقالة، سلك موكبه ميدان التحرير، وهناك تم إيقافه بمعرفة الرقابة الإدارية، يرافقهم المستشار تامر فرجاني، المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا، آنذاك، والذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس هيئة الرقابة الإدارية.. وفي الوقت ذاته كان فريق من ضباط الرقابة قد ألقوا القبض على مدير مكتب الوزير المستقيل، ويُدعى محيي الدين قدح. 

توقيف "هلال" جاء لاتهامه بطلب وتلقي رشاوى من رجل أعمال شهير، بواسطة المدعو "محمد فودة"، السابق اتهامه بالتوسط في قضايا مماثلة، وتم اقتياد المتهمين الـ4 إلى مقر النيابة للتحقيق معهم.

وأكدت التحريات والتحقيقات أن الهدايا والرشاوى التي طلبها وتلقاها "هلال" تمثلت في عضوية بالنادي الأهلي وهاتفي محمول، وفيلا في مدينة 6 أكتوبر، ورحلات حج له و16 من أفراد أسرته ومدير مكتبه، فضلا عن ملابس بقيمة تجاوزت 250 ألف جنيه، وموائد إفطار في فندق شهير من فئة 7 نجوم بالقاهرة الجديدة، وكان ذلك مقابل موافقته على تقنين 2500 فدان زراعي في وادي النطرون، بالمخالفة للقانون، لصالح رجل الأعمال. 

واعترف "هلال" ومدير مكتبه بما نُسب إليهما، وفي أبريل 2016، عاقبتهما المحكمة بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات، وتغريم الأول مليون جنيه والثاني 500 ألف جنيه، وأعفت الراشي والوسيط، من العقوبة. 

لحظة القبض على محافظ المنوفية 

محافظ المنوفية 

واستكمالا لسلسلة “صيد الفاسدين”، توصلت تحريات هيئة الرقابة الإدارية، عام 2018، إلى طلب وتلقي هشام عبد الباسط، محافظ المنوفية الأسبق، أموالا وهدايا بلغت قيمتها 27 مليون جنيه، من أحد رجال الأعمال، نظير تسهيل الحصول على قطعة أرض بالمخالفة للقانون. 

القبض على المحافظ الأسبق، جرى في أحد المولات التجارية، منتصف يناير 2018، بعد أعمال مراقبة حثيثة وتسجيلات للمكالمات الهاتفية، ورصد وتصوير لقيام الراشي بسحب الأموال المتفق عليها، ومباشرته أعمال تشطيبات بفيلا المحافظ في المهندسين، وهدايا أخرى، ولقاءاتهما في أحد الكافيهات بالجيزة. 

وباشرت نيابة أمن الدولة العليا، التحقيقات مع المحافظ، الذي اعترف بالواقعة، كما اعترف الراشي والوسيط أيضا، وأحالهم النائب العام إلى المحاكمة الجنائية، حيث عاقبت المحكمة، في نوفمبر 2018، المحافظ بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات، وتغريمه 27 مليون جنيها، وأعفت المحكمة المتهمين الآخرين من العقوبة، وحمل عبد الباسط في جعبته حكما آخر، حيث عاقبته الجنايات، في يونيو 2019، بالسجن 10 سنوات، وتغريمه مبلغ 58 مليون جنيه، لإدانته بارتكاب جريمة تحقيق كسب غير مشروع، مستغلا سلطاته. 

  

رئيس مصلحة الضرائب الأسبق 

رئيس مصلحة الضرائب 

وفي الرابع من يناير عام 2020، وقع صيد آخر في يد ضباط الرقابة الإدارية، حيث ألقي القبض على عبد العظيم حسين عبد العظيم، رئيس مصلحة الضرائب الأسبق، متلبسا داخل منزله بتقاضي رشوة، سلمها الراشي لأحد الوسطاء، وسلمها الأخير للمتهم الرئيسي داخل منزله.

وداهمت الرقابة الإدارية، شقة المتهم، وفرغت محتويات "كيس بلاستيك"، حيث تبين أنه يحوي أموالا وهي جزء من رشوة اتفق عليها المتهم، مع 5 آخرين "راشي ووسطاء"، نظير استعمال نفوذه مع العاملين في المصلحة ومنح المتهمين الآخرين مزايا وهدايا. 

وبتاريخ 5 يناير 2020، أمرت النيابة العامة بحبس "عبد العظيم"، على ذمة التحقيقات، ثم أحالته للمحاكمة الجنائية، حيث عاقبته محكمة جنايات القاهرة، في نوفمبر 2021، بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات، وتغريمه 768 ألف جنيها.

search