الجمعة، 22 نوفمبر 2024

11:05 ص

محمد فودة
A A

اللقيط والقزم!

من أجمل المشاهد في المسلسل الملحمي الشهير صراع العروش وأكثرها عمقاً " حين التقى القزم المبدع تيريون لانستر مع "جون سنو" بطل المسلسل لأول مرة، وسأله ساخراً
"لا شك أنك ابن الزنا المنبوذ في أسرة ستارك" فغضب سنو كثيراً، وتغيرت ملامحه، فقال له القزم باللهجة ذاتها "أراك غضبت من وصفك بابن الزنا" لماذا "أليس صحيحاً" أنك لقيط، كونك لست ابن السيدة ستارك يجعل منك ابناً غير شرعي!!
وقال له ، سأسدي إليك نصيحة أيها اللقيط، لا تنسى هويتك أبداً، لأن الناس لن ينسوا، اجعلها درعك، وبهذه الطريقة لن تستعمل لإيذائك يوماً، فعقب سنو " ماذا تعرف أنت عن شعور اللقيط؟
ورد عليه لانستر قائلاً " الأقزام جميعاً لقطاء في نظر آبائهم!
وتركه بعد نصيحة يجب أن نشكر عليها كاتب هذا العمل الرائع مفادها أن نتقبل نقاط ضعفنا، وعيوبنا، وأخطاءنا، بل ونجاهر بها، حتى لا يستغلها الآخرون ضدنا!
استوقفني هذا الحوار العميق بين بطلي هذا العمل الفني الاستثنائي، لأنني بالفطرة أفعل ذلك في حياتي، إذ أحرص على أن أكون متسقاً قدر استطاعتي مع نفسي، لا أخفي طباعي، ولا أستتر خلف فضيلة لا أملكها، وأرفض كلياً أن يعاملني أحد باعتباري اللوذعي الذي لم تلده ولادة، أو يطلب نصيحتي ورأيي باعتباري منزه عن الخطأ أو الضلال أو النزق أو حتى الغواية!!
أعتبر أن الكذب جبن، فلماذا أخفي هويتي، واتعامل باعتباري شخصاً آخر، لذا أعتز بنشأتي ومسيرتي، وبالمناسبة لدي قناعة بأنني لم أحقق إنجازات كبيرة في حياتي، وهذا لا يشعرني بأي قدر من الأسف على نفسي أو الغير، فلا شك أن الله لم يخلقني ميسي لحكمة لديه، لكني أعرف أنني مجتهد وشغوف.
وأعتقد أنني أتمتع بقدر من سرعة الاستيعاب، فلم أكن أذاكر كثيراً، لكن كنت أفهم بسرعة، وأنسى بسرعة كذلك.. وهذه نعمة أخرى، يمكن أن نتحدث عنها في هذه المقالات البائسة التي لا أعرف لماذا أتحدث فيها عن نفسي المتواضعة، رغم قناعتي بأنني لست فلتة زماني، أو مخترع فرشاة الأسنان الكهربائية، 
بالمناسبة لماذا يخترع أحدهم فرشاة أسنان كهربائية؟!
دعم من هذا الاستدراك البائس، فالمشهد الذي اخترته لكم بليغ ومهم، ولماذا لا تجربوا هذه النصيحة في حياتكم.. 
تخيلوا معي أن أحد آلهة التطبيل في الإعلام، تعرفون معظمهم بلا شك، خرج علينا في إحدى حلقات برنامجه، وبدأ بهذه الطريقة:
أعزائي المشاهدين مساء الفل، أدرك أنكم جميعاً تكرهونني لأنني مسرف في النفاق والكذب والتدليس، وأنا ألمس ذلك من شتائمكم عبر حساباتي على السوشيال ميديا، لكن أتمنى أن تتعاملوا معي كمنافق، فأنا لا أدعي غير ذلك، عاملوني كجاهل، متواضع الإمكانيات، لم يجد طريقاً سوى النفاق حتى يطل عليكم من هذه الشاشة، ويغرقكم هراء وكذباً وتدليساً!!
سوف لن نجد ما نقوله لهذا الإعلامي الرائع في هذه اللحظة، وسنتقبله كمنافق مدلس متسق مع نفسه، مدرك جيداً لحقيقته وهويته!!
لدي صديق أحبه كثيراً، كان يتصرف بنذالة دائماً معنا، وفي لحظة غضب عاتبته بشدة، فقال لي بهدوء مريح للنفس، لماذا تغضب الآن، تعامل معي كندل وسوف ترتاح، انفجرت في الضحك، وبدأت التعامل معه على هذا الأساس، فلا أنتظر منه مساندة في موقف ما، أو ألجأ إليه في مشكلة، لكنه يتمتع بخصال أخرى لطيفة أحبها في شخصيته!
لديكم دونالد ترامب على سبيل المثال، الرئيس الأمريكي، متحرش وجاهل ومتطرف وعنصري، مجرم بكل ما تحتمله الكلمة من معاني، لكنه لا ينكر شيئاً من ذلك، لذا يستهوي الملايين من الأمريكيين الذين يرونه أصدق من غيره!
لا تنكروا هوياتكم، واعترفوا بعيوبكم، فهذا كفيل بإحباط أي محاولة لإيذائكم أو ابتزازكم، ومضاعفة شعوركم بالأمان النفسي والاجتماعي.. دمتم بخير

title

مقالات ذات صلة

search