الجمعة، 22 نوفمبر 2024

03:58 م

محمد فودة
A A

المتهمات بالفرحة!

لماذا يستهجن الناس الرقص للتعبير عن السعادة بالتخرج، أو انتهاء مرحلة الثانوية الصعبة؟ ما الضرر الذي يقع على أي إنسان من سعادة آخرين؟ ومتى سنتوقف عن الحكم على الناس بناء على المظهر فقط، ولماذا نحكم على غيرنا من الأساس؟

هناك خلل مجتمعي راسخ منذ عقود، تأصل في نفوسنا بسبب ثقافة سوداوية غريبة، ضاعف من قتامتها هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، وقدرة كل شخص الآن على التحقير وازدراء الآخرين ببضع كلمات ينشرها على حسابه

أنا سعيد بردود أفعال الأمهات اللاتي يدافعن عن سلوكيات بناتهن المتهمات بـ "بالفرحة"، فإن تبادر إحداهن بالرقص بين زميلاتها سواء في حفل أو أي مكان، أفضل كثيراً من أن تدعي العفاف والالتزام فيما تخفي سلوكاً منحلاً يؤثر على مستقبلها ويمس أسرتها! 

هناك ما يعرف علمياً بالعلاج بالرقص والحركة، وهو نوع من التأهيل النفسي يستخدم في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، تستخدم فيه الحركة والرقص لدعم المهام الفكرية والعاطفية والحركية للجسم، كشكل من أشكال الاستشفاء التعبيري. 

وربما لا يعرف كثيرون أن الرقص استخدم كوسيلة علاجية منذ آلاف السنين، وحين نشاهد كثيراً من النقوش على معابدنا الرائعة نجد أن الأجداد عبروا عن ذلك بمظاهر وصور عدة، بل إن الرقص استخدم كطقس لعلاج الخصوبة، والأمراض. 
وبحسب الدراسات، فإن فلسفة جديدة وضعت للرقص في أوروبا والولايات المتحدة بين عامي 1840 و1930 أساسها أن الحركة يمكن أن يكون لها تأثير على المتحرك، وتحول الرقص من مجرد وسيلة للتعبير منذ قرون إلى شكل من أشكال العلاج منذ منتصف القرن الماضي.

وتطور الأمر علمياً لينقسم إلى مرحلتين عبر التاريخ، الأولى قادتها امرأة تدعى ماريان جاس راقصة ومؤدية عروض، أدخلت الرقص إلى المجتمع الطبي كنوع من العلاج، وافتتحت مدرسة خاصة لاحظت خلالها تأثيره على مشاعر طلابها بصورة جذبت انتباه الأطباء النفسيين، فأرسلوا مرضاهم إليها. 

وعندما لاحظ الأطباء التأثير الإيجابي للرقص على المرضى في عام 1966، أصبحت تلك المرأة الرئيسة الأولى للجمعية الأمريكية للعلاج بالرقص والحركة. فيما بدأت المرحلة الثانية من العلاج بالرقص في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وأثارت اهتماماً أكبر لدى المعالجين النفسيين. 

تخيلوا معي أن ما يعتبره المعالجون التقدميون في دول أكثر تطوراً وحداثة نوعاً من العلاج، نهاجمه بكل وقاحة في بلادنا، ونتهم من يفعل ذلك بالخلاعة وقل الأدب والتربية!! حين نسافر إلى دول أوربية أو حتى آسيوية، بل وإفريقية نجد شعوباً ترقص بالفطرة، ومن المعتاد أن يقف أحدهم أو إحداهن فجأة في منتصف الطريق ليرقص بكل بهجة وسعادة، وخلال دقائق تجد العشرات يشاركونه ذلك بكل سعادة ليتحول المشهد إلى كرنفال بديع ومبهج. 

لماذا نتمسك بثقافات قاتمة وكئيبة وظلامية، أليست مصر رائدة في الرقص الشرقي، ومن منا لا يحب مشاهدة العروض الراقصة، بغض النظر عن أنها تصنف لدى كثيرين بأنها مثيرة أو شهوانية أكثر من اللازم، لكنها في النهاية ترتبط ثقافياً ببلادنا، ومن النادر أن تجد فتاة لا تستطيع الرقص. 

كفاناً نفاقاً، فأنا شخصياً أعرف كثيرين جوهرهم واهتمامهم يتناقض كلياً مع ما يظهرونه من التزام زائف، وانتقاد متكرر للآخرين. بكل أسف يعاني معظمنا من فصام أو شيزوفريينا مزعجة، ففي حين نلاحق سراً العارضات والموديلات عبر منصات التواصل الاجتماعي، لا نتوقف عن سبهن وصب اللعنات عليها جهراً، مثل موظف يترك مكتبه لأداء صلاة الظهر، وحين يعود يفتح الدرج لإيداع رشوة مقابل تخليص معاملة لمواطن مسكين! نحن في حاجة ماسة لمراجعة أنفسنا، وتحريرها من هذه العقد النفسية، فلن تنهار منظومة القيم الأخلاقية بسبب فتاة ترقص تعبيراً عن سعادتها، أو تتعرض مشاعركم الرقيقة وضمائركم اليقظة للأذى!

title

مقالات ذات صلة

search