الجمعة، 22 نوفمبر 2024

04:12 م

محمد فودة
A A

إياك تاخدها جدّ!

"من الغباء أن تتعامل مع الحياة بكثير من الجدية" هذه وجهة نظري البائسة التي تبدو عبثية خصوصاً لهؤلاء المتحمسين من خبراء التنمية البشرية ومدربي الحياة، يا له من مسمى احتيالي لطيف "لايف كوتشينج"
يحدثونك بكل حماسة عن الفرص المتاحة، وسبل اقتناصها، وكيفية تطوير ذاتك، وتنمية قدراتك، ونفخ عضلاتك، والتخلص من طاقتك السلبية، وتحقيق أرباح بالملايين، وكل ما عليك سوى الاستيقاظ مبكراً، وتصفية ذهنك، والتركيز على الجوانب الإيجابية المضيئة في حياتك. 
ويحكون لك قصص نجاح أغلبها وهمية، ويسوقون نماذج لأشخاص كانوا أكثر حظاً في حياتهم من غيرهم، وهذا لا ينفي إطلاقاً أن هناك بشراً اجتهدوا وثابروا ونجحوا في النهاية، لكن أنا شخصياً لا أؤمن بأن "كل من جدّ وجد،  وكل من زرع بصل، فهذا لا يحدث غالباً، إذا كانت البيئة المحيطة ليست صديقة للمجتهدين!
لا أريد أن أبدوا عبثياً أناركياً عدمياً، لكن هذه وجهة نظري التي أتمنى أن لا يقتنع بها أحد، 
الحياة ليست عادلة، والثراء ليس له معايير تذكر، وإلا بالله عليكم ما هي القدرات التي يتمتع بها شخص مثل "حمو بيكا"، فهذا الشاب الرائع، لم يؤت من العلم نصيباً، ولا من الوسامة حظاً وافراً، ويتمتع بصوت كفيل بإثارة الرعب لدى قطيع من الجاموس الوحشي، ولا أتذكر حقيقة ما إذا كان مكوجياً جيداً أم لا، لكنه الآن يملك ثروة كبيرة، ويتباهى بجنازير ذهبية تتدلى من عنقه القوي، وسيارة جي 63 يقتنيها الحكام عادة، بل ويطلب من المهندسين والأطباء الاستفادة من تجربته.. يا أخي ....!!
وأتمنى أن لا يستدرجني أحدكم إلى معضلة "الرزق" وإلا سأستدرجه إلى مسألة الحلال والحرام فيما يفعله الأخ حمو بيكا!
وبالمناسبة أنا لست ضده على الإطلاق، ولا أحقد عليه أو أحسده، لكن بشكل عام، حمو بيكا مجرد حالة من مئات النماذج التي أعرفها، لأشخاص يتمتعون بثراء أو مكانة مرموقة دون مؤهلات تذكر!
ومنهم تأتي النتيجة التي توصلت إليها، وجعلتها منهجاً في حياتي، "الحياة ليست عادلة"
ولا أخفيكم قولاً، ارتحت كثيراً لهذه القناعة، ففي ريعان الشباب، خلال سنوات الفوران والتألق، والرغبة في إثبات الذات، نظن نحن المبدعون أننا سوف نخرق الأرض أو نبلغ الجبال طولاً،  ونصرخ ونضرب على صدررنا مثل كينج كونج القرد العملاق، لنعبر عن مدى تفوقنا واستحقاقنا للأفضل،
وبعد صدمة تلو الأخرى، نكون أمام خيارين، إما أن نعيش تحت وطأة غضب دفين، وشعور قاس بالظلم وعدم التقدير، أو نسلك المسار الآخر الذي اتخذته منهجاً لنفسي، وهو "المانجة الفص" أو  "اللا مبالاة"!
ولا أنكر أنني أنفعل أحياناً، حين يستفز أحدهم صبري، ويتغول على مساحة التجاهل والسلام الذاتي التي أعيشها، لكن ألوم نفسي كثيراً بعد ذلك، فما الداعي للثورة أو الغضب، إذا كنت صاحب قرار الانسحاب من هذا السباق التافه!
بالله عليكم، تأملوا جيداً محيطكم الضيق والواسع، وسوف تحاصركم تساؤلات سخيفة ومعقدة، عن استحقاق أحدهم للمنصب الذي يشغله، 
كيف وصل إلى هذه المكانة، وبناء على أي مؤهلات، وما هي معايير اختياره؟
ونصيحتي إذا شغلتكم هذه الأسئلة يوماً، اسمعوا أحد مهرجانات حمو بيكا وحاولوا إقناع أنفسكم أنه مطرب في هذا الزمان!
حين تدرك أن الحياة ليست عادلة، سوف ترتاح كثيراً ، ولن تأخذها بجدية، أو ترضي شهوة أحدهم في التنكيل بك، والإحساس بأنه يتحكم في مصيرك أو مستقبلك أو رزقك!
وبالمناسبة، هذه ليست دعوة لليأس، أو الانبطاح والاستسلام لواقع لكنها محاولة لطيفة لفهم الحياة، 
لا تكن ساذجاً وتتعامل معها بجدية، وكن مثل مجلس إدارة نادي الزمالك الذي يشكو ظلم الحكام بعد مباراة سموحة، .. استهبل يعني!! 

title

مقالات ذات صلة

search