الجمعة، 22 نوفمبر 2024

02:50 م

"اللامنتمية".. نعمت شفيق زوجة ثانية ترد على الإحسان بالنكران

نعمت شفيق

نعمت شفيق

جريمة مزلزلة هزت المجتمع الدولي، تقف خلفها سيدة من أصول مصرية، لم تكتف بالتعاطف، مع الاحتلال الإسرائيلي فيما يرتكبه من مذابح وتدمير في غزة، ولكنها استدعت الشرطة لطلابها في جامعة كولومبيا التي تتولى رئاستها، لتعتقل العشرات في مشهد مأساوي، بعد أن أعلنوا تضامنهم مع الفلسطينيين، ما أدى إلى اندلاع الاحتجاجات في العديد من الجامعات الأمريكية، والمطالبة بإقالتها. 

من هي نعمت شفيق؟

من هي نعمت شفيق التي تؤلب الأجهزة الأمنية ضد كل من يناصر أطفال غزة؟..  وماهي علاقتها بالكيان الصهيوني؟..  وكيف قضت سنواتها الأولى في مصر؟.. ومتى عادت إلى موطنها الأم من جديد؟.. ولماذا أقدمت على ارتكاب جريمتها الحمقاء بقلب جامد، وعيون لا تطرف؟.. وكيف تحولت من أيقونة مصرية إلى رمز لـ"قلة الأصل"؟

البداية من سينما بلازا 

عندما كانت سينما "بلازا" في الإسكندرية تعرض فيلم "الخطايا"، وفي ذروة انشغال الجمهور بصفعة عماد حمدي على وجه عبد الحليم حافظ، سنة 1962، تلقى الدكتور طلعت شفيق حنطور أستاذ الكيمياء بجامعة الإسكندرية نبأ ولادة ابنته "نعمت".

لم تكف الطفلة عن الصراخ حين حملها بين يديه، حتى أمها فشلت في إسكاتها، وظلت على تلك الحالة لأيام عديدة، ما اعتبره الأب رسالة سيئة لم يستطيع تفسيرها إلا بعد أربع سنوات، وهو يواجه  قرار تأميم ممتلكاته، ليغادر مصر متجها إلى الولايات المتحدة سنة 1966.

طفلة في مواجهة التمييز العنصري

 اختار الأب جنوب شرق أمريكا، ليستقر مع عائلته في مدينة سافاناه بولاية جورجيا، ليبدأ حياته من جديد، في الوقت الذي كانت فيه الأسرة - باستثناء الأب - تعيش حالة من العزلة، نتيجة عدم إتقانها للغة الإنجليزية، وصعوبة التواصل مع الجيران. 

كان على الأم أن تحطم أبواب السجن الاختياري للمنزل، بحفلات تستضيف فيها الأطفال، من أجل أن تندمج نعمت وشقيقتها مع المجتمع الجديد، ويتعلمان اللغة بسرعة، لكن اللغة لم تكن العائق الوحيد في أمريكا.

بسبب التمييز العنصري نتيجة محاولات السلطات الأمريكية تحقيق قدر من التوازن بين أعداد الطلاب السود والبيض في الفصول تنقلت نعمت وأختها في العديد من المدارس بفلوريدا وجورجيا ونورث كارولينا، لتفقد محل إقامتها في كل مرة بعد أن تعتاد عليه، ما أثر على شخصيتها في المستقبل لتصبح امرأة خالية من المشاعر، تستبدل قلبها بحديدة، وتضع مصلحتها في مقدمة اهتماماتها. 

مواطنة من الدرجة الثانية

كان على نعمت وهي ماتزال طفلة استيعاب أنها مواطنة من الدرجة الثانية، في الوقت الذي عليها أن تفهم ما يمر بها من قضايا الحراك الاجتماعي، التي تصعد وتهبط بأسرتها، في حالة من عدم الاستقرار وسط أجواء وهي تعاصر أحداثا سياسية فارقة بداية من حرب فيتنام، ومرورًا بحركة الحقوق المدنية، وفضيحة ووترجيت.

نصيحة والدها 

أحداث مؤثرة جعلت نعمت تؤمن بعلاقة الاقتصاد بالسياسة، وتزداد إيمانا بنصيحة والدها “يستطيعون أخذ كل شيء منكم إلا العلم”.

أدركت نعمت مبكرا أنها تعيش في بلد العلم، وبإمكانها القفز على الجميع إذا وصلت إلى أعلى الدرجات العلمية، كانت تود أن تسود وتتحكم، وتصبح قائدة وقد كان. 

حصلت نعمت على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والسياسة من جامعة ماساتشوستس - أمهرست 1983، ثم الماجستير في الاقتصاد من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية بالعاصمة البريطانية 1986، فالدكتوراه من جامعة أوكسفورد عام 1989. 

أصغر نائب لرئيس البنك الدولي

إلى برج السرطان تنتمي نعمت، امرأة منظمة، تفهم في أهمية الوقت، لديها شغف بالقيادة، والإدارة، وولع بإلقاء الأوامر إلى من حولها، ما جعلها تختصر الزمن لتحقيق طموحها اللامحدود.

من البنك الدولي بدأت نعمت حياتها المهنية، لتصبح مسؤولة عن القضايا المتعلقة بأوروبا الشرقية عقب سقوط جدار برلين 1989، لتتعدد مناصبها بعد ذلك، خاصة مع بداية الألفية.

 عملت أكاديمية في كلية وارتون للأعمال بجامعة بنسلفانيا، وفي قسم الاقتصاد بجامعة جورجتاون، قبل تعيينها 2008، أمينا عاما دائما في وزارة التنمية الدولية ببريطانيا، لتقود عملية إصلاح شاملة للمساعدات الخارجية البريطانية.

وفي محطتها الـ36 أصبحت شفيق أصغر نائب لرئيس البنك الدولي، كما شغلت منصب نائب مدير صندوق النقد الدولي، وأشرفت على عمل الصندوق في عدة دول وأدارت أيضا برامج الصندوق في الشرق الأوسط، خلال احتجاجات 2011. 

كما شغلت منصب نائب محافظ بنك إنجلترا لمدة 3 سنوات تزامنت مع تصويت بريطانيا في 2016 لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.

في 2017، عادت شفيق إلى الأوساط الأكاديمية كرئيسة لكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، ومع ذروة جائحة كورنا ألفت كتابا بعنوان "ما يدين به كل منا للآخر... عقد اجتماعي جديد"

وبعد 6 سنوات مع كلية لندن للاقتصاد، في يناير 2023، تم اختيار  شفيق لرئاسة جامعة كولمبيا بنيويورك، لتغدو أول امرأة تتولى المنصب في الجامعة.

الزوجة الثانية

ما بين لندن وواشنطن قضت نعمت شفيق حياتها المهنية، وتزوجت من العالم رافائيل جوفين، في 2002 بالعاصمة الأمريكية، وأنجبت منه توأما، انضموا لثلاثة أبناء آخرين لجوفين من زواج سابق. 

اللامنتمية 

إضافة إلى جنسيتها المصرية التي غادرت بها البلاد وهو ما تزال طفلة في الرابعة من عمرها تحمل نعمت شفيق جنسية بلدين هما الولايات المتحدة وبريطانيا، ما ألقى بظلاله على تفتيت الانتماء لشفيق التي استطاعت أخذ كل ما تتمناه من البلدان الثلاثة، في الوقت الذي كان انحيازها الأوحد لمصالحها الشخصية، بعيدا عن اللغة العاطفية التي تتقن السيدة التحدث بها، ولكنها أبعد ما تكون عن قناعاتها. 

لقب الأقوى 

لم تتوقف نعمت عن حصد الألقاب، وتلقي التكريمات، مُنحت نعمت شفيق لقب "بارونة" وعيّنت في مجلس اللوردات البريطاني، كرمتها الملكة إليزابيث الثانية في عام 2015، ومنحتها عدة جامعات دكتوراه فخرية، واختيرت "امرأة العام" في جوائز القيادة العالمية والتنوع العالمي عام 2009، ووضعتها مجلة "فوربز" على قائمة "أقوى 100 امرأة" في 2015، وضمن "100 امرأة رائدة في الصناعة المالية الأوروبية" 2018، كما ظهرت ضمن قائمة "100 امرأة أفريقية الأكثر تأثيراً" عام 2021.

النكران جزاء التكريم 

عملت مصر على تكريم  في العديد من المناسبات وهو التكريم الذي قابلته شفيق بالنكران، وهي تكتب في سيرتها الذاتية بالجامعة أنها هربت من مصر.

2019، استضافتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة، لتلقي المحاضرة التذكارية السنوية لتكريم الدبلوماسية نادية يونس، بعنوان "القيادة العالمية في عالم متغير".

2020، احتفت وزارة الهجرة المصرية بشفيق، بمشاركة افتراضية عبر "زووم"، كمتحدث رئيس في فعاليات مؤتمر "مصر تستطيع بالصناعة"، وأكدت حينها استعدادها لتقديم خبراتها لخدمة وطنها الأم مصر. 

2017، ألقت كلمة بالفيديو أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر الشمول المالي، وكانت حينذاك تشغل منصب رئيسة لكلية لندن للاقتصاد.

سوء خاتمة 

فوجئ العالم بالسيدة التي تخطت الستين تنحاز بشكل سافر للكيان الصهيوني، وتتخلى عن هويتها العربية، ونشاطاتها الإنسانية التي تميزت بها طيلة حياتها المهنية، وهي تستدعي الشرطة لاعتقال طلابها المناصرين للقضية الفلسطينية ويطالبون الجامعة بسحب الاستثمارات من الشركات الداعمة والمستفيدة من الحرب الدائرة.

الأسبوع الماضي، قالت شفيق في كلمتها بجلسة استماع بمجلس النواب الأمريكي حول معاداة السامية في الحرم الجامعي، "هناك المزيد من العمل الذي يجب القيام به لمحاربة معاداة السامية ودعم الحرية الأكاديمية".

وأضافت: "محاولة التوفيق بين حرية التعبير لأولئك الذين يريدون الاحتجاج وحقوق الطلاب اليهود في أن يكونوا في بيئة خالية من المضايقات أو التمييز كان التحدي الرئيسي في الحرم الجامعي لدينا، والعديد من الجامعات الأخرى، في الأشهر الأخيرة".

واتهمت شفيق خلال جلسة استجوابها بمجلس النواب الأمريكي الطلاب المتظاهرين بترديد اتهامات معادية للسامية واليهود.

استدعت رئيسة الجامعة نعمت شفيق، قوات الأمن للطلاب أثناء التظاهرات ليتم توقيف اكثر من 100 طالب بينهم ابنة النائبة إلهان عمر، ما أدى لتزايد الاحتجاجات بشكل واضح وانتشارها في جامعات أخرى.

search