السبت، 06 يوليو 2024

07:15 م

الأرجنتين ترفض فلسطين بالأمم المتحدة.. تاريخ الدولة والهجرة اليهودية

تعبيرية

تعبيرية

أحمد سعد قاسم

A A
سفاح التجمع

وجهت الأرجنتين صدمة للمجتمع الدولي، اليوم الجمعة، عندما قررت رفض عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة. 

وأثارت الأرجنتين حفيظة البعض الخطوة، إذ كانت إحدى الدول المقترحة لإقامة وطن لليهود قبل فلسطين، ولولا أن القدر كتب عكس ذلك لكانت الآن تحارب استقلالها من الاحتلال الصهيوني. وعلى الرغم من ذلك فقد تضررت الأرجنتين من اليهود مرتين الأولى عند استطيناهم أراضيها والثانية عند هجرتهم الى فلسطين

من هنا البداية

تعود القصة حين تفهم القادة اليهود آنذاك ضرورة الاستيطان التدريجي والنشاط الاقتصادي في دولة يهودية خارج حدود القارة الأوروبية. وقادتهم تلك الفكرة إلى استراتيجية معروفة أن ذاك بـ "الاستعمار الزراعي"، حيث شهد العالم نشوء مستعمرات زراعية يهودية في عدة بلدان، ولا سيما في الأرجنتين، بفضل جهود رجل الأعمال اليهودي الألماني موريس دي هيرش.

أسس موريس دي هيرش جمعية الاستيطان اليهودية في عام 1891، والتي كانت مكرسة لتسهيل الهجرة اليهودية والاستعمار، وخاصة في المناطق الزراعية. ورغم أن الجمعية لم تكن صهيونية بشكل واضح، إلا أنها كانت تهدف إلى إنشاء مستوطنات زراعية حيثما سنحت الفرصة.

ومن بين مشاريعها، تفاوضت الجمعية مع الحكومة الأرجنتينية لاستعمار مساحات شاسعة من الأراضي، وبلغت ذروتها في مستوطنة موسيسفيل في سانتا في. بحلول عام 1914، توسعت المستوطنات اليهودية في جميع أنحاء الأرجنتين، مع توثيق هجرة كبيرة بين عامي 1906 و1912، بلغ مجموعها أكثر من ثلاثة عشر ألف يهودي سنويًا.

أحد إعلانات الاستيطان الزراعي في الأرجنتين

مكانًا مثاليًا

موريس دي هيرش  وجد في الأرجنتين مكانًا مثاليًا لتحقيق رؤيته لإقامة مستعمرات زراعية يهودية خارج القارة الأوروبية. وأرجع هيرش اختياره لهذا البلد إلى خصوبة أراضيه ومناخه المعتدل، بالإضافة إلى قلة عدد سكانه وواسع مساحته. وفقًا لـ Encyclopedia Britannica، كان تعداد سكان الأرجنتين في ذلك الوقت لا يتجاوز أربعة ملايين نسمة، في حين بلغت مساحتها حوالي مليون ومئة ألف ميل مربع.

اشترى هيرش 750 ألف هكتار من الأراضي الأرجنتينية وأسس عليها عشرين مستوطنة تضم ما لا يقل عن 200 مزرعة تعاونية، معظمها في منطقة إنتريزيوس الخصبة. وبدأ في تشجيع اليهود من شرق أوروبا على الهجرة إليها. نجحت جهوده في جذب حوالي 3500 عائلة يهودية في بداية مشروعه الاستيطاني، واستمرت الهجرات بانتظام، حيث كان يصل عدد المهاجرين اليهود سنويًا من شرق أوروبا إلى نحو 13000 مهاجر.

وأوضح هيرش أن هدفه وراء هذه المحاولة هو تقليل عدد المهاجرين اليهود إلى غرب أوروبا، وبالتالي التخفيف من حدة التمييز والمعاناة التي يعانونها، وتكوين جيل جديد من اليهود يثمن قيمة العمل في الأرض ويتقبل مهنة الزراعة.

ردود الفعل المعادية

خطة هيرش كانت تهدف إلى تهجير ما لا يقل عن 3.5 مليون يهودي إلى الأرجنتين، معظمهم من شرق أوروبا، وذلك بشكل تدريجي على مدى ربع قرن، بهدف تفادي ردود الفعل المعادية من الشعب الأرجنتيني في حال وصول هؤلاء المهاجرين اليهود بشكل جماعي.

وتم تكليف الزعيم الصهيوني البريطاني جولدسميد بإدارة هذه المستوطنات التي كلفت هيرش عشرات الملايين من الجنيهات. واستقروا المهاجرون اليهود القادمون من روسيا وشرق أوروبا في هذه المستوطنات الريفية، حيث حصلوا على التدريب والتأهيل اللازمين للمشاركة في الأنشطة الزراعية وتربية الماشية.

وكانوا يستخدمون العائدات من هذه الأنشطة لإعالة العمال في المستوطنات وبناء شبكات للمهاجرين الجدد، بالإضافة إلى المساهمة في تمويل الجهود الصهيونية التي تهدف إلى تسهيل هجرة أكبر عدد ممكن من اليهود خارج روسيا وشرق أوروبا.

على الرغم من أصولها غير الصهيونية، فقد وضعت المستوطنات اليهودية في الأرجنتين الأساس للمشاعر الصهيونية. بحلول عشرينيات القرن العشرين، اعتنق يهود الأرجنتين بشكل متزايد فكرة الهجرة إلى فلسطين. ومع ذلك، ظلت الأرجنتين مركزًا مهمًا للحياة اليهودية، حيث بلغ عدد سكانها اليهود ذروتها بحوالي أربعمائة ألف بعد الحرب العالمية الثانية.

انكماش اقتصادي

ومع إقامة دولة اليهود في فلسطين والاستقرار ليها شهدت الخمسينيات من القرن الماضي انخفاضًا في عدد السكان اليهود في الأرجنتين حيث هاجر الكثير منهم إلى دولة إسرائيل المنشأة حديثًا. ما أدى عدم الاستقرار السياسي والانكماش الاقتصادي خلال حكم المجلس العسكري الأرجنتيني في السبعينيات والثمانينيات إلى زيادة هجرة اليهود، وخاصة إلى إسرائيل.

شهدت أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين موجة أخرى من الهجرة اليهودية من الأرجنتين إلى إسرائيل وسط الأزمات الاقتصادية، حيث قامت الوكالة اليهودية بنشاط بتعزيز هذه الهجرة. وعلى الرغم من هذه التحركات، تظل الأرجنتين موطنًا لأكبر جالية يهودية في أمريكا اللاتينية، ويبلغ عددها حوالي ثلاثمائة ألف.

search