الجمعة، 22 نوفمبر 2024

08:16 ص

أوراق العمر لـ مجدي يعقوب.. ميراث حبيب وعهد غجري وموت ملهم (1)

مجدي يعقوب

مجدي يعقوب

عند الترحال بين أحرف صفحات التاريخ المصري، سيكون الدكتور مجدي يعقوب حاضرًا بكل تأكيد، والأمر هُنا غير مرهون بقيمة علمية وطبية كبيرة فقط، بل مقرون بسيرة إنسان كان يجول يصنع خيرًا، ملهمًا ومتواضعًا وباعث أمل في نفوس الملايين.

تحت عنوان «مذكرات مجدي يعقوب.. جراح خارج السرب» كتب سيمون بيرسن وفيونا جورمان، وهما زوجان عملا في صحيفة «التايمز» 30 عامًا، أول سيرة ذاتية للدكتور مجدي يعقوب، وكتب مقدمتها في النسخة العربية الدكتور محمد أحمد غنيم، رائد زراعة الكلى في العالم، والدكتور مصطفى الفقي، رئيس مكتبة الإسكندرية السابق، والدكتورة ماري آرتشر، عضو مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية.

وتحت عنوان «أوراق العمر لـ مجدي يعقوب»، نعيد قراءة سيرة «طبيب القلوب» في حلقات ينشرها «تليجراف مصر»، فإلى الحلقة الأولى..

الطفل مجدي حبيب وُلد في 16 نوفمبر 1935 بمدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، لأسرة مسيحية أرثوذوكسية، وكانت الأسرة تنتمي إلى الطبقة الوسطى، ويمتاز أفرادها بالوسامة، فضلا عن الثقافة والطموح. كان والده «حبيب» يعمل جراحًا عامًا في الحكومة، وكان رجلا سمحا، أما والدته «مادلين» فكانت ابنة قاض.

عائلة مجدي يعقوب

أم صارمة

بحسب مذكرات جراح القلب العالمي، كانت الأم صارمة فرضت النظام على حياة الأسرة، وأصرت على أن يكون أبناؤها من الناجحين وكانت تعزف على البيانو مقطوعات قليلة وترسم بألوان الزيت على التوال.

كان لمجدي 3 إخوة، الأكبر هي مهجة ثم جمال «جيمي» وأصغرهم سامي الذي ولد بعد مجدي بـ 4 سنوات.

ميراث حبيب

كان للأب حبيب فلسفة خاصة في الحياة، يمكن من خلال تحليل شخصية مجدي يعقوب وتصرفاته معرفتها، فالأب دأب أن يُعلم أبناءه القيم، فقال لهم: «إنني لا أريد أن أورثكم مالا، وليس لدي منه الكثير أصلا، ولكنني أريد لكم قدرًا طيبًا من التعليم والمعرفة. ولن يخذلكم هذا أبدًا. فأموت راضيا وقد تركتكم قادرين على تولي أمور أنفسكم».

عهد عجري

وصف مجدي يعقوب سنوات حياته الأولى بـ «العهد الغجري في حياتي»، مشيرًا إلى أن والده كان يعمل في وزارة الصحة، الأمر الذي دفعه في ثلاثينيات القرن العشرين إلى التنقل بين المستشفيات كل بضع سنوات، الأمر الذي ترك أثرًا عميقا في «مجدي».

قال يعقوب: «كلما احتاجت الحكومة إلى جراح، كانت الأسرة كلها تنتقل، ويتكرر ذلك بين بلدات مختلفة في مصر».

كثرة التنقل أحدثت اضطرابا وارتباكا في نفوس الأسرة، فحينما كان مجدي في الثالثة من العمر وجهه أبواه إلى مدرسة خاصة تحت إدارة أمريكية، ولما لم تطب له التجربة - وتلك المشكلة سوف تتكرر مرات - فقد التحق بعدد من المدارس الحكومية ، لولا أنه صعب عليه الاستقرار في أي منها.

واجه مجدي يعقوب في طفولته أزمة عرضته لهزة نفسية، ففاجعة واحدة كانت تتكرر مرة تلو الأخرة، كان يكون صداقات في المدارس التي يلتحق بها، لكن ظروف تنقل والده من مكان إلى مكان جعلته يخسر صداقاته تلك، فيقول مجدي: «لقد كنت طفلا خوافًا للغاية.. كلما نظر لي شخص حدثتني نفسي أنه يكرهني. والحق أنهم ما كانوا يكرهونني، ولكنهم فقط كانوا لا يعرفونني».

مجدي يعقوب طفلا

طفل متأخر عقليًا

برز مجدي يعقوب بضخامة بنيانه مقارنة بأطفال الصف الأول في مدرسته الحكومية الأولى ببلبيس بالشرقية، الأمر الذي دفع الإدارة إلى نقله لفصل آخر متقدم بسنتين، وهناك انطوى الطفل على نفسه، كان هادئًا ودائم الجلوس في آخر الفصل، يرفض المشاركة في الحصص ولا يبدو عليه الانتباه إلى معلميه.

المعلمون في هذا الوقت ومع معطيات طريقة الطفل، وصفوه بأنه «متأخر عقليًا»، إذ كان لا يطرح أسئلة وكلما قالوا له: «لا تتلكم»، أجابهم: «ليس لدي ما أقوله»، فكان مقترح المعلومن أنه لا بد من عرضه على معالج أو طبيب نفسي.

النفع الوحيد الذي عاد لمجدي يعقوب من كل هذا، أنهم وضعوه في فصل واحد مع أخيه جمال «جيمي»، الذي كان يكبره بـ18 شهرًا، وكان الأخوان وفيين لبعضهما وصديقين حميميين، رغم أن مجدي كان أضخم بنيانًا وأشد جدية، عكس أخيه الأكبر الذي طالما ارتسمت على وجهه ابتسامة مرح لم تفارقه، بحسب رواية طبيب القلوب.

الأخوان الصديقان مجدي وجيمي

يروي مجدي يعقوب أنه كان الريادة على أخيه «جيمي» في جميع مراحل التعليم، فكان الأخير يجد ويكده، في الوقت الذي يحصل فيه الأول على أعلى الدرجات ويظفر بالجوائز، لكنهما كانا قريبين من بعضهما، ولم يحقد جمال أبدًا على أخيه الصغير، بل كان دائمًا يقول: «أنا فخور بأخي».

التصق الأخوان في مسيرتهما، فكانا لا يفترقان أبدًا، في المدرسة والبيت واللعب، حتى التحقات بكلية الطب سويًا، ثم سافرا إلى بريطانيا، فبحسب مجدي يعقوب، كان أخيه سنده.

موت مُلهم

كان مجدي يعقوب يعشق التصوير في طفولته، كان به ولع بالطبيعة، وفي أشهر قليلة من التحاقه بفصل أخيه في المدرسة، أصبح الطفل الصامت الأول على الفصل، لدرجة أن البعض ظن أنه يغش.

حينما أصبح عمر الطفل مجدي 5 سنوات، حدثت مأساة ربما تكون نقطة تحول
ذلك. ففي عام 1940 توفيت عمته «يوجين» شقيقة أبيه الصغرى، وكانت وقتها طالبة في الجامعة عمرها 22 عامًا، بعد أن تضرر صمامها التاجي المتحكم في تدفق الدم من الأذين الأيسر في القلب إلى البطين الأيسر، بسبب إصابتها بروماتيزم في القلب، ولم يكن لها في حينها علاج فعال.

الأب حبيب أصابه الإحباط من عجزه عن علاج اخته لفترة، وصلت إلى عدم قدرته على العمل في المستشفى، وضرب الحزن الأسرة، الأمر الذي ترك أثرًا كبيرًا في نفس الطفل مجدي.

وفاة العمة ملأت نفس مجدي إصرارًا، فعقد العزم على أن يصبح جراح قلب، وعلى أن يجد علاجا للمرض الذي أودى بحياتها، وأفضى بنواياه تلك إلى أبيه فاستخف بها.

يحكي مجدي: « قال لي أبي: لا يمكن أن تفعل ذلك وأنت على ما أنت عليه من فوضى. لا يمكن أن تصبح جراح قلب. تركيبتك المزاجية لا تلائم ذلك». تلك الكلمات كان لها مفعولا قويًا، فيقول مجدي: «ابتداء بتلك اللحظة، ازددت عزما على عزم».

اقرأ الحلقة الثانية" أوراق العمر لـ مجدي يعقوب.. الحرب وكرة القدم وعشق أسوان ومنحة الطفل (2)


 

search