السبت، 09 نوفمبر 2024

12:51 ص

وائل الدحدوح.. أيوب فلسطين

تامر إبراهيم

A A

في الساعات الأولى من مساء الأربعاء 25 أكتوبر 2023، جنوب وادي غزة، وثقّ رجل خمسيني يحتضن طفله الغارق في دماءه مرتديًا قماشة بيضاء “بوصلتها” مثواه الأخير، وفي خلفيته بكاء ونحيب أحرجه الأب المكلوم بقوله “بينتقموا منا بالأولاد.. معلش”.

قبل ذلك بدقائق كان يقف وائل حمدان إبراهيم الدحدوح أمام الكاميرا ممسكًا بميكروفون يغطي أعلاه شعار قناة الجزيرة، الفلسطيني الموُلود في 30 أبريل عام 1970 يعمل مراسلًا للقناة الإخبارية في الأراضي المحتلة، يُغطي الأحداث منذ سنوات، توقف فيها فقط لمدة 7 سنين لأنه اعتقل وقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي بتهمة «الصحافة».

«مراسلنا وائل الدحدوح من قطاع غزة» جملة نطق بها مذيع داخل ستوديو القناة القطرية، تلاها شهادات أدلى بها الدحدوح عن مستجدات الأوضاع داخل القطاع المنكوب في ظل العمليات العسكرية التي تشنها قوات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، وبعد انتهاء الشهادات وقطع البث عن المراسل الميداني، جاءته النكبة.. رجل فقد نصف عائلته.

دون دوي صافرات الإنذار، باغت سلاح الجو الإسرائيلي منزل عائلة الدحدوح في مساء اليوم التاسع عشر من العدوان على غزة، سقطت القذائف عمياء، لم ترى أن هُناك أطفالًا يلهون داخل المنزل، لا يحلمون سوى بلعبة جديدة في العيد، ونزهة في حديقة لم تحرقها نيران إسرائيل بعد.. أو حتى الاحتفال بأعياد ميلادهم فوق ركام ما تبقى لهم من الوطن.

القذائف سقطت وحصدت أرواح 12 شخصًا من عائلة وائل الدحدوح مراسل الجزيرة، من بينهما زوجته واثنين من أبنائه، كل الضحايا كانوا نازحين إلى مخيم النصيرات، هاربين من بطش العدوان، ولكنه أدركهم أينما ولوا أجسادهم.

«هذه دموع الإنسانية وليس دموع الخوف والانهيار والجبن».. برباطة جأش تفوه وائل الدحدوح في نكبته القاسية، الرجل الخمسيني نظر إلى سرير وجد طفل سقط شهيدًا، ثم استقام فوجد نفسه يحمل جثمان طفل أيضًا، وأدار وجهه فوجد زوجته في الكفن، ولما تمعن في النظر والتأمل وجد نصف عائلته رحلوا عن الدنيا.

الدحدوح وهو بين مطرقة استشهاد 12 شخصًا من أسرته، وسندان إصابة آخرين، لم يُهزم بعد ولم يسقط أسيرًا لأوجاعه، نظر إلى وطنه ورأه مصيبته ثمنًا معقولًا لتحريره، قال المكلوم: «ابني وابنتي وأشقائي وأبناء عمي شهداء ومصابين.. بقي لنا وطن وكرامة وهو الأهم من كل شيء.. بقي لنا الإرادة وإيماننا الراسخ واعتمادنا على الله».

واهم من يظن أن قوات الاحتلال من الممكن أن ترحم أحد، تلك قناعات ملايين من الناس ولكن الدحدوح من نطق بها، ورغم الألم الذي تنوء به الجبال، وخسارة أهله، إلا أنه أعلنها صارخة: «لن أغادر موقعي في التغطية، إلى أين أذهب؟».

تفوه الدحدوح بكل تلك الكلمات يوم 25 أكتوبر 2023، ودخل العام الجديد مودعًا أجزاء من قلبه نزلوا إلى التراب بالجسد وصعدوا إلى عالم أفضل بالروح، لكن المشهد الدامي تكرر، والجرح الغائر نزف من جديد.

صباح يوم السابع من يناير 2024، لم تلتئم جراح الدحدوح بعد، حتى فتح بارود الاحتلال جرحا جديد، تلك المرة "حمزة" استشهد، الابن الصحفي للدحدوح، سقط شهيدا تاركا خلفه رسالة وداع مؤثرة.

"إنك الصابر المحتسب يا أبي، فلا تيأس من الشفاء ولا تقنط من رحمة الله وكن على يقين أن الله سيجزيك خيرًا لما صبرت"، كلمات دونها حمزة للدحدوح الكبير، وداع يليق بفارس، لكن لا شيء يشفع أمام الجرح، ولا شيء ينفع أمام الألم، الدحدوح صار هدفا، يودع أبناءه يوما بعد يوم.

الخمسيني المكلوم والمراسل المُهدد دائمًا، رغم كل جروحه، آمن أنه لا مكان آمن من العدوان وغدره، أعلن السير في الطريق وإن كان مظلمًا تارة وقاسيًا تارة أخرى، ودع أسرته ولم يودع وطنهم، وظل مؤمنًا أنه للوطن ثمن باهظ يُسدد بالأرواح حتى وإن كان كل ما لديه من عائلة.

The.Agricultural.Bank.of.Egypt

تابعونا على

مواقيت الصلاة حسب التوقيت المحلي لمدينة القاهرة
  • 04:46 AM
    الفجْر
  • 06:15 AM
    الشروق
  • 11:39 AM
    الظُّهْر
  • 02:41 PM
    العَصر
  • 05:02 PM
    المَغرب
  • 06:21 PM
    العِشاء
الظهر
search