الثلاثاء، 10 سبتمبر 2024

02:09 م

جريمة في الحرم الجامعي!

أدرك بكل أسف الآن، أنني حين أستدعي كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي " إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهب أخلاقهم ذهبوا"، سوف يقابلها البعض ولا أتمنى أن يكونوا كثيرين بمصمصة الشفاه وربما السخرية، لأن الأخلاق حسبما نشاهد ونسمع صارت في ذيل سلم أولويات أسر، أصبحت تكون مجتمعاً سفلياً بغيضاً كريهاً مثيراً للاشمئزاز!

في هذه الأيام الصعبة، نستجدي جميعاً السعادة من ثقب إبرة، لكن لا يمكن أن نطلبها على حساب قيم كانت متأصلة في شعب تضرب جذوره في أعماق التاريخ!

ما يحدث في حفلات التخرج الجامعي، جريمة وليس مجرد تجاوزات أخلاقية يشارك في ارتكابها جميع أطراف هذه المنظومة، بداية من الأسرة، مروراً بالأبناء "الطلبة" وصولاً إلى أساتذة الجامعة وإداراتها!

اتهموني بالرجعية والتخلف إذا شئتم، لكن قولاً واحداً، لا يشرفني، بل عار علي كأب أن أربي في بيتي ابناً أو ابنة، يرقص بكل ميوعة، وسوف أكتفي باستخدام هذا الوصف، أمام أساتذته وزملائه، على أنغام تلك المهرجانات اللعينة أو الأغان التي نشعر بالخجل حين نسمعها في الشارع، وليس في محفل العلم!

لا زلت في سني هذا، ومع ما حققته من ندفة إنجاز أكاديمي ومهني أقف احتراماً لأساتذتي في جميع مراحل الدراسة التي مررت بها، سواء في التعليم الأساسي أو الجامعي، فأنا أنتمي إلى هذا الجيل الذي تربى على “ قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا”

ولا يشرفني كمصري أو كأب أن يتلوى ابني أمام أساتذته على أنغام "قوم نلعب بوكر"!لكن للأسف صدق و الشاعر أبوالعلاء المعري: وينشأ ناشئ الفتيان منا.. على ما كان عوده أبوه.

تخيلت حين شاهدت فيديو الطالب الذي يرقص بخلاعة امام منصة تضم أساتذته، أن الواقعة حدثت في إحدى تلك الجامعات التجارية التي تبيع العلم، ولا تمنحه، لكن كانت صدمتي بالغة حين علمت أنها جامعة الزقازيق، فأين وزارة التعليم العالي؟!

وفي مشهد آخر أكثر إباحية وخلاعة، تراقص ثلاثة طلبة، -أشتبه في ميول أحدهم- واستعرضوا على المنصة بطريقة أقرب إلى "تنطيط القرود" مع احترامي لهذه الحيوانات اللطيفة، دون أن يردعهم أحدهم أو يبادر إلى إيقاف تلك الأغاني التي تسللت إلى منازلنا وشوارعنا ومدارسنا وجامعاتنا مثل هواء فاسد مسموم!

كنت أشاهد حفل تخرج بإحدى الجامعات في الولايات المتحدة "جامعة فرجينيا كومنولوث" وفق شرح الفيديو، وفوجئت بانسحاب الطلبة من أجمل لحظات حياتهم، حين بدأت كلمة حاكم الولاية، لرفضهم موقفه من عمليات الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أشقاؤنا في غزة.

تخيلوا هذا يحدث في أمريكا أكبر مناصر لإسرائيل، بينما ينجرف أبناؤنا إلى مستنقع الخلاعة والانحطاط!
وأذكر في إحدى حفلات التخرج في دولة الإمارات، لم تلتزم طالبة ببروتوكول تسليم الشهادات، وكل ما فعلته أنها لوحت بيديها إلى الحضور، فلم يسلمها الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح الشهادة يداً بيدٍ مثل زملائها، بل تركها على الطاولة، في رسالة واضحة أن الانضباط لا يتناقض مع السعادة بالتخرج.

المحزن فيما نشاهده في هذه الحفلات الإباحية، إدراك الطلبة بأنه يتم تصويرهم، بل أن حماستهم تزيد أمام الكاميرات، وهذا يعكس إصرارهم على الظهور بهذه الصورة، وكأنها رسالة للجميع مفادها " فلتذهب الاخلاق إلى الجحيم!

لست ضد السعادة، بل أتمنى لأبنائنا حياة مبهجة وناجحة، لكني رافض بل كاره للتعبير عنها بهذه الطريقة، فإذا لم يجدوا الاحترام في منازلهم، علينا إجبارهم على احترام أنفسهم في الحرم الجامعي!

هذه الفوضى الأخلاقية زادت عن الحد، وبكل أمانة لا أدري هل يفترض في كل أزمة أن يتدخل رئيس الجمهورية بنفسه لتقويم الأمور وتصويبها، أم أن على المسؤولين سواء في تلك الجامعات أو وزارة التعليم العليم أن يتحلوا بمسؤولياتهم ويضعوا حداً لهذه الممارسات؟!

لقد شاهدت مقطعاً كذلك لمدرس ثانوي يشرح لطلبته على إيقاع "طبلة" تنقر عليها طالبة، فيما يرقص بقية زملائها!

وبالله عليكم، لا يقول لي أحدكم أن هذا أسلوب حديث للتدريس، لأن من المستحيل التركيز في العلم أثناء حفل راقص، وأعتقد أن ما نشاهده في حفلات التخرج تطور طبيعي لما يحدث في التعليم الأساسي!

وأخيراً، كيف يقبل أستاذ جامعي على نفسه الوقوف منتظراً طالباً يتراقص بطريقة خليعة ومؤذية للعين والضمير، حتى يصل إلى أستاذه الذي يراقبه بعجز واستسلام!

إنها جريمة أخلاقية بكل ما تحتمله الكلمة من معانٍ، ولا أخفيكم قولاً أن ثمة شعور يتسرب داخلي بأن هناك من يتعمد هدم منظومة القيم لدى هذا الشعب، ومن ثم يجب أن تتصدى الدولة بحزم لهذا العبث، لأننا إذا فقدنا بوصلتنا الأخلاقية لن يتبقى لنا أمل في النهوض بوطن عظيم يستحق منا جميعاً افضل من ذلك.
 

search