الأحد، 17 نوفمبر 2024

10:50 م

حسين فهمي وإصلاح مهرجان القاهرة السينمائي

سيبقى اختيار الفنان حسين فهمي على رأس منظومة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، هو القرار الأصوب،  والخبر الأسعد، بداية جديدة لمرحلة هامة من تاريخ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، تحتاج الكثير من الإصلاح والتعامل الحكيم مع تركة ثقيلة وميراث من الأمور السيئة التي تراكمت عبر السنوات الأخيرة، عانى فيه المهرجان الأعرق عربيًا وأفريقيًا، والمصنف الحادي عشر عالميًا  من غياب الشخصية، وارتباك الهوية، والصورة الباهتة.

بدأ الفنان حسين فهمي إعادة هيكلة وإصلاح منظومة مهرجان القاهرة السينمائي، بداية من اختيار الناقد عصام زكريا للإدارة الفنية، وإعادة ترتيب أوجه إنفاق ميزانية المهرجان بطريقة عظمت الاستفادة من الموارد..

كما أضاف حسين فهمي البريق المفقود لفعاليات المهرجان في كافة الأفرع، وأضاف مسحة احتفالية وبهجة، ولمسة من الأناقة على صورة مهرجان القاهرة بشكلٍ عام، وكذلك أضاف قيمة فنية كببرة كونه بين أعظم من وقفوا أمام كاميرا السينما في تاريخها على مدار نصف قرن..

إن شخصية حسين فهمي الجذابة والمتوهجة دائما أعادت شخصية مهرجان القاهرة، وجعلت هناك متعة خاصة لدى الحضور في كافة التفاصيل، وكان لشخصية فنان بحجم حسين فهمي دورًا في إقبال الجمهور على الندوات والعروض بشكلٍ عام.

فرض حسين فهمي شخصيته على كافة الجوانب بسلاسة وحكمة، ورسخ هوية بصرية لنوعية ولون ملابس الحضور مع إيقاع بصري لكافة التصميمات إنما هو عرفٌ متبع في أغلب المهرجانات الدولية، وكان ينقص المهرجان شخصية جريئة لتشكيل هوية بصرية وفنية وثقافية ومجتمعية بهذا الشكل البديع..

بدأ الفنان حسين فهمي عملية الإصلاح من تغيير العقلية والمبادئ التي تدير مهرجان القاهرة، باختيار نجم الشباب أحمد عز الذي ينتمى لجيل فني طالما كان تحت أسهم النقد، الذي أعتبره، للتكريم بجائزة فاتن حمامة، وهي  شجاعة كبيرة من حسين فهمي وتجديد للدماء وترسيخ لمبدأ في دستور التكريمات لتتسع الدائرة لأنماط فنية غير التي اعتادت عليها نخبوية المهرجانات، أما تكريم يسري نصرالله فهو استمرارًا لدعم ومساندة السينما المختلفة والفكر الفني المعافر ضد التيار..

من بين أهم اصلاحات حسين فهمي، هو إعادة سوق القاهرة للأفلام، ضمن فعاليات المهرجان، بعد توقف دام لفترة كبيرة، ومعه تعود أهم شركات الإنتاج والتوزيع العالمية، والمؤسسات الجديدة المتخصصة في تقنيات الأفلام الأحدث، وهي مساحة التقاء بين أصحاب صناعة السينما بمختلف التخصصات لتبادل الخبرات والتسويق فالأصل في أي مهرجان هو دعم صناعة السينما، فإن إعادة سوق القاهرة للسينما أحد أهم إصلاحات هذه الدورة.

كذلك ترميم أفلام التراث المصري؛ وهو عمل هام للغاية ربما لا يلتفت إليه الكثير، إذ اهتم رئيس المهرجان بترميم أفلام  قصر الشوق، بين القصرين، السمان والخريف، الحرام، شىء من الخوف، ويهدف الترميم إلى تحسين الجودة والحفاظ على تاريخنا وافلامنا.

من بين إصلاحات هذه هو دعم الإنتاج  الجديد، خلال أيام ملتقى القاهرة لصناعة السينما، الذي يدعم ١٨ مشروعًا من ١٣ دولة من العراق وبريطانية والمغرب وتونس والجزائر والسعودية، وثماني مشروعات مصرية.

كما أن اتساع  مساحة الأفلام المشاركة في دورة هذا العام لا شك أنها علامة تقدم إلى الأمام،  وتطور في مكانة المهرجان دوليًا، وحجم مشاركة غير مسبوق في تاريخ الهرجان، لتصل الأعمال المشاركة إلى  ١٩٤ فيلمًا  من انتاج ٧٢ دولة، منها ٣٧ فيلمًا عرضها العالمي الأول، وثمانية أفلام في عرضها الدولي الأول، و ١١٩ فيلمًا تعرض لأول مرة في قارة إفريقيا ،ومنطقة الشرق الأوسط، و١٦ فيلمًا في عروض (السجادة الحمراء)، هذه الأعمال موزعة في البرامج المعتادة، وهي المسابقة الرسمية وآفاق السينما العربية، والأفلام القصيرة، والقسم الرسمي خارج المسابقة، مع إضافة برامج جديدة لأول مرة، منها برنامج للسينما الإفريقية لأول مرة، وبرنامج حدود الصين السينمائية بالتعاون مع مهرجان بكين السينمائي الدولي، وبرنامج (أفلام كيبيك المختارة ) ويضم ثمانية أفلام كندية الإنتاج، وبرنامج للعروض الخاصة، وعروض خاصة لبعض الأعمال الدرامية.

ذلك بخلاف التنوع في مدارس السينما التي تشارك في المسابقة الرسمية و تضم ١٧فيلمًا من تركيا، أمريكا، بنجلاديش، المجر، بلجيكا، البرازيل، فرنسا، أستراليا تونس. فلسطين، روسيا، اليابان، مصر، لبنان، رومانيا، إيطاليا، صربيا.

وجود حسين فهمي رفع شكل الإقبال والثقة لصناعة الأفلام؛ إذ يشارك هذا العام ثلاث أفلام مصرية في المسابقات الرسمية وهو ما لم يحدث منذ فترة طويلة وهي أفلام:  أبو زعبل 89 في مسابقة أسبوع النقاد الدولي، مين يصدق العمل الأول للمخرجة زينة عبد الباقي في مسابقة آفاق السينما العربية، وفيلم دخل الربيع يضحك في المسابقة الرسمية.

وبين كل هذا تبقى البصمة الأهم للفنان حسين فهمي هذه الدورة هو حضور فلسطين على رأس الدورة ٤٥، في كل التفاصيل ، ذلك أجمل ما في صورة هذه الدورة، فلم  يكن الأمر مجرد لافتة إنسانية، بل أبعد من ذلك، إنها رسالة وموقف معبر عن الشعب المصري والدولة المصرية كاملة لا ينفصل عن توجيهات ورؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي، إنها ضربة أقوى من أي سلاح، صفعة مصرية على وجه المتخاذلون.

فلسطين ليست لقطة على السجادة الحمراء بل جملة فنية كاملة، وصوت يصل إلى كل العالم أن غزة والقاهرة قلب واحد،  شعب واحد واختيار فلسطين الحبيبة ضيفًا بل وعنوانًا لدورة هذا العام ضالعة في كل التفاصيل  من علم فلسطين الطاهر الذي تم توزيعه و زين ملابس الحضور، وحفل الإفتتاح على أنغام الموسيقى الفلسطينية،  عرض فيلم الإفتتاح، أحلام عابرة، والذي يراه العالم لأول مرة ،للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي..

كما يعرض المهرجان أيضا لذات المخرج مجموعة أفلام قصيرة أنتجها بعد أحداث ٧ أكتوبر ،تضم ٢٢ فيلمًا قصيرًا عن غزة والفلسطينيون بعنوان (من المسافة صفر ) عن الحياة اليومية للناس ومواجهتهم لكل ما تعرضوا ويتعرضون له حتي اليوم من خلال رؤية مخرجي ومخرجات هذه الافلام..

إلى جانب برنامج خاص بعنوان (أضواء علي السينما الفلسطينية يضم ثلاثة أفلام مختلفة، وفيلم وين صرنا، كما كان قرار حسين فهمي لرفض التعاون مع أي جهة في قائمة المقاطعة، شجاعًا للغاية، ليس من السهل اتخاذه،  ليوضح أن الأمر ليس مجرد لفتة بل موقف ورسالة، وصوت يصل إلى كل العالم ان غزة والقاهرة قلب واحد.

search