الخميس، 21 نوفمبر 2024

02:25 م

13 عامًا على "عنبر والألوان".. حسين فهمي وأيقونة أفلام ذوي الإعاقة

رغم نجوميته الإستثنائية إلا أنه لم يحصل على حقه من التقدير كأفضل نجوم جيله تقديمًا لأعمال هامة حافظت على قيمتها على مدار أجيال فنية متعددة.

حسين فهمي هو رائد جيله على الإطلاق الأكثر وعيًا، ثقافة، وسامة،  النموذج السينمائي لفتى أحلام الفتاة العربية والمصرية، الذي لم يتجاوزه أي نجم لعدة أجيال.
ولكن فهمي أيضًا رائدًا لجيله  فيما قدمه من تنوع وأعملا سينمائية محتفظة بقيمتها إلى الآن، إذ ربما لا يلتفت الكثيرين أن فهمي هو الفنان الوحيد من بين أبناء جيله لديه رصيد ٤ أفلام ضمن قائمة أفضل ١٠٠ فيلم في تاريخ السينما المصرية، التي أعلنت عام ١٩٩٦.

بجانب كل هذا الرصيد، الذي يتوجه بين أبناء جيله، إلا أن الفنان حسين فهمي  قدم  تجربةً هي جوهرة هذا  التاج،  تجربة سينمائية فريدة،  ربما لم تحصل على حظها من الإهتمام النقدي والاحتفاء، وهي تجربة فيلم عنبر والألوان التي تتفرد عن كل التجارب السينمائية التي تناولت حياة الأشخاص ذوي الإعاقة.

لا يمكن الحديث عن صورة الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع المصري مجتمعيًا أو فنيًا إلا من خلال ما قدمته الجمهورية الجديدة مبنيًا على مبادرة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي والتي أعادت صياغة صورة المعاق مجتمعيًا، وغيرت نظرة المجتمع كليًا للأشخاص ذوي الإعاقة، إذ وضع الرئيس منهجًا لطريقة التعامل مع قضاياه.

حياة المعاقين ما قبل الرئيس السيسي، وقبل ذلك المنهج، ومنذ فجر السينما، انحصرت صورة المعاق في قوالب ركيكة،   قائمة إما على التنمر والإزدراء ومحاولة ربط الإعاقة بالإضطراب النفسي، أو قائمة على الإستغلال السئ، صناعة شخصية "مسخرة" كوسيلة لإفتعال مواقف كوميدية سمجة حتى لو كانت شخصية أو استجداء التعاطف والشفقة على غير أساس، كانت تلك الأعمال في  مجملها أعمالًا  تهين  المعاق وتستخدمه بشكل ما بصورة سيئة.

لكن بين هذا الغيم نجد عملًا وحيدًا رائعًا، في هذه المرحلة سار على منهج الجمهورية الجديدة، كسر تلك القاعدة، وكان تكريمًا حقيقيًا للشخص المعاق وأيقونة لسينما ذوي الإعاقة، هو فيلم عنبر والألوان.

الفيلم الذي كتبته سمية عريشة وإخراج عادل الأعصر، من إنتاج قطاع الانتاج بالتلفزيون المصري، نشاهد خلال أحداثه؛ شخصًا لديه إعاقة بصرية، لكنه بطلًا حقيقيًا لعملٍ سينمائي، فهو لأول مرة ليس مُسخة أو وسيلة إضحاك أو استجداء الشفقة، بل بطلًا بكل مفردات الهيرو السينمائي كما وضعته أسس السينما،
 بطلا يتمناه المشاهد ويتحد معه، لدية الوسامة التي تحلم بها الفتيات والرومانسية،  الشخص الذي تحبه البطلة وتصارعها عليه إمرأة أخرى، شخصًا يملك الحلول.
تدور حوله الأحداث، فقلما نجد عملًا قدم المعاق أنه بطلًا يحب ويثور وينجح ويكون فتى الاحلام أيضا، رغم اعاقته، شخصًا محبوبًا مرغوبًا تتنازع عليه فتاتين جميلتين،  يحرك الأحداث ولا تحركه ، يضع نموذجًا للمشاهد كيف تكون بطل قصتك رغم إعاقتك، بطلًا يثير الإعجاب لا الشفقة، يخطف الإهتمام لا يستجدي التعاطف،  هذه هي الصورة المثالية لتجسيد البطل المعاق،  تلك المعادلة الصعبة تحققت مرة واحدة في فيلم عنبر والالوان الذي اعتبره أيقونة أفلام ذوي الإعاقة.

تتعرف الفنانة التشكيلية هبة على عازف العود الكفيف عنبر، الذي يقع في غرامها، ويكاد يصيبه الجنون للتعرف على الألوان التى تملأ حياتها الفنية، وتتوالى الأحداث من خلال حبيبته، إذ يمر بتجربة قاسية مع إمرأة أنانية أرادت الإستحواذ عليه، ومن خلال تلك التجارب نتعرف على ذكريات الطفولة مع والدته التى علمته التعرف على ملامح الناس.
هذه الصورة الفلسفية  تجعلك على مدار أحداث الفيلم تتحد مع شخصية عنبر وتحاول أن ترى الحياة من خلال عينيه الكفيفتين، وتتعرف على المجتمع البشري من خلال ظلامه البصير، وجهة نظر كفيف يرى بأعين أخرى، تنتقل مع تجاربه بين خيبة الأمل، والقدرة على العودة، مشاعر الحب والرفض، والتفاؤل والحزن.
يأخذك عنبر لرحلة شيقة مليئة بمتناقضات البشر. شخصية الكفيف قُدمت سينمائيًا عدة مرات بشكل مرتبك، إما صورة هزلية كاريكاتيرية، قد تجرح المتلقي،  أو مبالغات غير منطقية بعيدة عن أرض الواقع، ولكن هنا انت تعيش حياة كفيف بطلًا حقيقيًا على أساس منطقي محافظًا على ملامح البطل السينمائي،

عنبر والألوان سبق عصره في تناول صورة الشخص المعاق بصورة بطولية، وهو الأكثر تناسقًا مع مبادئ الجمهورية الجديدة، وأكتب هنا لإعادة طرح تلك التجربة للتناول النقدي، كأحد أهم التجارب التي نحتاج الاستمرار في تقديمها بتلك الكيفية وعلى هذه المبادئ، ويستحق فيلم عنبر والألوان  الاحتفاء به نموذجًا لصناعة عملًا فنيًا يتناول شخصية المعاق بالشكل الشي يليق به، وأيقونة أفلام أصحاب الإعاقة.

search