الجمعة، 20 سبتمبر 2024

01:39 ص

حاربَ لآخر رصاصة.. "مصطفى رفعت" بسالة احترمها العدوّ بمعركة الإسماعيلية 1952

اللواء مصطفى رفعت

اللواء مصطفى رفعت

عمرو عبد الله

A A

خلد اسمه بحروف من ذهب، وسطره في سجلات وزارة الداخلية، إنه اللواء مصطفى رفعت البطل العظيم، أو كما لقبوه بالبطل الجسور الذي لا يهاب الموت، بعد أن قاوم الاحتلال في معركة شهد لها التاريخ أنها من أقوى المعارك التي خاضها أبطال الشرطة في تاريخها إلا وهي معركة الإسماعيلية عام 1952.

في السطور التالية، نرصد شجاعة أبطال الشرطة المصرية وعلى رأسهم البطل اللواء مصطفى رفعت، قائد قوات الشرطة في الإسماعيلية عام 1952، حيث نشر سامي عبد الراضي رئيس تحرير موقع تليجراف مصر، مقالاً بعنوان “الملازم مصطفى رفعت الذي جعل للشرطة عيداً وأقالوه من وظيفته”.

في حوار أجراه معه عبد الراضي، عام 2006، قال اللواء مصطفى رفعت، إنه كان يدرس الشرطة الجنائية أو شرطة الجريمة في إنجلترا عام 1952، وكان معه زميله الفنان صلاح ذو الفقار، وصديق آخر صلاح الدسوقي، الذي أصبح فيما بعد محافظاً للقاهرة.

مقاومة شعبية شرسة

وأضاف: علمت من خلال الصحف الإنجليزية أن هناك مقاومة شعبية شرسة يقودها شعب القناة ضد الإنجليز، ودون تردُّد قلت لزميلَيّ الدسوقي وذو الفقار: لازم نرجع مصر وننضم للمقاومة، كتبنا خلالها طلباً لمدير كلية الشرطة بالانضمام، ووافق فور تلقيه الطلب على أن ندرِّب قوات البوليس المصرية بعد حصولنا على فرقة “قتال”، وبالفعل توجَّهنا إلى الإسماعيلية، وكنا نوجِّه ضربات كثيرة للإنجليز، وسقط الكثير منهم ما بين قتلى وجرحى، لدرجة أن قائد القوات البريطانية أمر جنوده ألا يسيروا بمفردهم، وقال لهم: لا بد أن تسيروا أربعة مع بعض على الأقل، فالجند الذي كان يتحرك بمفرده، كان يرجع لمعسكره جثةً هامدةً.

وأكد البطل مصطفى رفعت، أنه نفذ عملية تفجير لأحد مواقع القوات الإنجليزية، وكان معه الفنان صلاح ذو الفقار، وحدثت خلالها مطاردة مثيرة مع قوات الاحتلال، وانتهت باختفائهم داخل منزل أحد المواطنين وأثناء سيرنا على سطح المنزل وجدنا “تعريشة” من الخشب، أخذتنا وسقطت بجوار أهل البيت، الذين كانوا يتناولون الطعام، وقال لهم صلاح ذو الفقار: السلام عليكم، وروى لهم التفاصيل، فخبئونا حتى الصباح، وعاودنا المقاومة.

حاصروا المحافظة

وأضاف البطل مصطفى رفعت: في يوم 25 يناير 1952 كان يوم جمعة، وجدنا (فرَّاش) بالمحافظة، وهو أحد الفدائيين، يقول لنا: الحقوا.. الإنجليز حاصروا المحافظة. وفي السادسة صباحاً، توجَّهنا إلى مقر المحافظة، وكان بداخلها 750 عسكرياً وضابطاً، وتوجّهتُ للتفاوض مع القائد الإنجليزى (إكسهام)، الذي كان يتحدث بغطرسة، وطلب منا أن نغادر المكان، ونُنزل العَلم المصرى، لكنني رفضت، وقلت له:"على جثتي أنا وزملائي ولن نغادر المكان".

وتابع: بعدها بدقائق معدودة دارت الحرب، كنا نحمل بندقيات، الواحدة فيها 5 طلقات فقط، بينما يمتلك جنود الاحتلال أسلحة وذخيرة حديثة ودبابات رهيبة، ويومها أحضروا لنا قطارًا وقالوا: اركبوا وغادروا إلى القاهرة، وبدأ الجنود والضباط يتساقطون فى حرب استمرت 9 ساعات، ورفض القائد أن نعالِج الجرحى أو ننقلهم بالإسعاف لتلقِّي العلاج في المستشفى، واشتدت ضربات الإنجليز، وحرقوا المحافظة بالكامل، ويومها فقدنا ما بين 50 و60 قتيلاً ومئات الجرحى، ورفضنا أن نستسلم، وساعَدنا الفدائيون يومها بإحضار الذخيرة.

وحكى البطل العظيم مصطفى رفعت، عن أصعب موقف له في هذا اليوم عندما بعد سقوط الضحايا ما بين قتلى ومصابين، كانت الدماء تنتشر في كل مكان، هنا تجد ذراعًا وهناك تجد قدمًا أو أحشاء، لكن الموقف الأصعب عندما انتهت المفاوضات بيني وبين القائد الإنجليزى على أن أسلِّم له المحافظة في تلك اللحظة سقطت دموع العساكر، وقالوا: لن نخرج من هنا، نموت أفضل، لازم نكمل المقاومة، مش مهم مفيش ذخيرة، نقاتلهم بالبنادق والطوب والشوم، حتى نلحق بزملائنا الشهداء لقد كان الموقف غريبًا وعصيبًا، وأقنعت العساكر بالأمر، وأننا لن ننجح أن نجرح جنديًا واحدًا منهم، لكن في مقدور واحد منهم أن يقتلنا جميعًا، فالذخيرة والأسلحة انتهت وأصبحنا “عُزل”.

شريط ذكرياته 

صمت القائد العظيم مصطفى رفعت برهة من الوقت واسترجع شريط ذكرياته قائلاً": عندما دخل القائد ماتيوس إلى مبنى المحافظة، وشاهد الجثث والمصابين وضع يدَيه فوق عينَيه من المنظر البشع، وقال:"هذا عمل قذر، ما أقدمنا عليه لنحتل هذا المكان”، وأعطى لنا التحية العسكرية وقال: "لقد كنتم رجالاً بواسل، قاومتمونا بشراسة وقوة رغم الفارق في الإمكانات والأسلحة".

وتابع: عدتُ إليه للتفاوض والخروج من المكان، وكان ذلك بالشروط التي وضعتُها رغم الهزيمة، لكن الرجل وافق على كل الشروط تقديرًا للدور البطولي الذي بذلناه، وكانت الشروط: أن نخرج من مبنى المحافظة في طابور طويل، وألا نرفع أيدينا مثل الأسرى، وأن يتعامل معنا بـ"كلمة شرف"، وألا يُنزع العَلَم المصري من أعلى مبنى المحافظة ووافق الرجل، وتم اقتيادنا إلى المعتقل في صحراء الإسماعيلية.

قشر برتقال 

وتحدث البطل مصطفى رفعت، عن الأيام التي قضاها داخل المعتقل، حيث أكد أن المعاملة كانت جيدة، لكن الطعام كان سيئًا، وكان عبارة عن “قشر” برتقال وقطعاً صغيرة من البصل والخبز، والتقيت قائد المعسكر، وسألته: هل هذه كلمة الشرف.. الطعام سيء؟ فردَّ علىَّ بحسرة: هذا الطعام نحضره من قبرص، لأن المصريين رفضوا العمل معنا وغادر الموقع قرابة 80 ألف مصري، وإذا كنتم تريدون طعامًا اكتبوا طلبًا للحكومة المصرية، ولن نعترض، تذكرت أن ذلك يعود بالنفع على القوات الأجنبية، فقلت له: إن قشر البرتقال رائع ومغذٍّ.

وأكد أن الاعتقال استمر قرابة 5 أشهر، عاد بعد ذلك إلى القاهرة، وتم فصله وزملاؤه من الخدمة “لأننا قاومنا الإنجليز، وعشتُ في الإسكندرية، وبعد أيام من الثورة حضر إلىَّ صديقي إبراهيم البغدادي، الذي أصبح مديرًا للمخابرات فيما بعد، وقال: سمعت بالثورة؟! قلت: لأ.. قال: طيب تعرف جمال عبدالناصر وجمال سالم وصلاح سالم ومحمد نجيب والسادات؟ قلت: لأ.. وأخذني من يدي إلى العباسية، حيث مقر قيادة المخابرات المصرية، والتقيت “عبدالناصر” الذي أمر بعودتي فوراً إلى عملي، وقال: كان لا بد أن تُكافأ على هذا العمل الرائع، ولا يكون جزاؤك العقاب والفصل من الوظيفة، وكرَّمني الرئيس عبدالناصر بعد ذلك، وحصلت على وسام الجمهورية في عام 2006”، حسبما روى لـ عبد الراضي.

search