تامر إبراهيم يكتب: الجهاد في سبيل الشيطان (3).. الإخوان جنود الاستعمار
تامر إبراهيم
لم يخن حسن البنا أستاذه ومعلمه أحمد السكري فقط، ولم يخن الدعوة بالتستر على جرائم جنسية داخل الجماعة فقط، ولم يعادِ سيد قطب ويقمعه وحده، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك.
الوثائق المسربة من المخابرات البريطانية كشفت كثير من الكواليس عن حسن البنا وجماعة الإخوان إبان الاستعمار البريطاني لمصر، وكشفت ما يمكن تسميته بسنوات الخيانة الكبرى
حسن البنا.. رجل القصر والاستعمار
مارتن فرامبتون، أستاذ التاريخ في جامعة "كوين ماري" البريطانية، والمتعاون مع جامعة "هارفارد" الأمريكية، نشر كتابًا عنوانه "الإخوان المسلمون والغرب: تاريخ العداوة والارتباط"، استعرض فيه تفاصيل عددًا من الوثائق والتقارير السرية للمخابرات البريطانية وغيرها من المؤسسات.
ألمح فرامبتون في كتابه إلى أن حسن البنا وجماعته رقصوا على كل الأحبال، فداعبوا الملك فاروق وقصره، وتوددوا إلى الأحزاب السياسية مثل الوفد، وتوسلوا إلى البريطانيين كاستعمار فعلي، واتصلوا بالألمان والإيطاليين كاستعمار محتمل.
الإخوان وفق الوثائق والتقارير السرية، حاولوا إقامة علاقات مع الجميع، بدءًا من الاتصال الذي تم بين البنا ورجاله مع عناصر استخباراتية بريطانية، للاستفادة المالية والسياسية، وهو ما كشفه أحمد السكري واستعرضناه في المقال السابق باعترافه.
البنا في إطار براجماتيته والسعي لكسب رضاء الجميع والرقص على أحبالهم، نشر رسالة في صحيفة الأهرام في أربعينيات القرن الماضي، أعلن فيها الولاء للحكومة ومعاهدة 1936 بين بريطانيا ومصر، وذلك بعد أن انسحب من الانتخابات البرلمانية 1942، في صفقة مع حزب الوفد، وتلك الصفقات كان دائمة بين الإخوان والحكومة، ورأيناها في الانتخابات البرلمانية عام 2005.
حسن البنا كان رجل القصر أيضًا، فكان الملك فاروق يدعم الجماعة، فعقد البنا صفقات مع القصر والبريطانيين والأحزاب الوطنية، في سبيل التوسع والتمدد، لكن جميعهم كانوا يرون أن الإخوان لا يؤتمنون.
الإخوان جماعة نشطت بشكل خطير، هكذا رأى مايلز لامبسون، السفير البريطاني في مصر، حسن البنا وجماعته، وقال ذلك في منتصف 1942 حينما عقد اجتماعًا مع أمين عثمان، السياسي الوفدي الكبير، بحسب كتاب مارتن فرامبتون.
رئيس المخابرات العسكرية البريطانية البريجادير كلايتون، حضر هذا الاجتماع وحذر من تقوية التنظيم، إلا أن أمين عثمان رأى أنه يمكن قتل الإخوان "بالعطف"، أي باستمرار التواصل بينهم جميعًا والاستفادة من براجماتية حسن البنا.
الإخوان.. المال السري
الوفديون والبريطانيون اتفقوا في النهاية على تقديم مساعدات مالية للإخوان، تدفعها الحكومة سرًا، لكن الممول الرئيسي سيكون البريطانيين.
"على الرغم من سعي حسن البنا للتعبير عن رغبته في تجنب الصراع مع الحكومة ومعنا، فإن أنشطة التنظيم السرية مختلفة"، هذا ما جاء في برقية بريطانية سرية، بعدما شارك طلاب الإخوان في مظاهرات مؤيدة للألمان بعد تقدم إرفين رومل في صحراء العالمين ليحتل مصر. ما يعني أن الإخوان خانوا البريطانيين ومالهم السري ودعمهم، وذهبوا يرتمون في أحضان الألمان بعدما رأوا أنهم يتقدمون ليحتلوا مصر.
ماكر وجبان يختفي وراء قناع البساطة
بحسب فرامبتون، أصدرت المخابرات العسكرية البريطانية تقريرًا عنوانه "الإخوان المسلمون.. إعادة نظر"، في نهاية عام 1942.
التقرير وصف حسن البنا بأنه حذر وجبان وماكر ولديه طموح يختفي وراء قناع من البساطة.
انقلاب البريطانيين على الإخوان كان لأسباب وجيهة، فهم وصفوهم في التقرير بالمنظمة المتطرفة، ويقارنون بالجماعات النازية الفاشية، ومتورطين في التخطيط لأعمال تخريب في البنية التحتية، وطوّروا فرقًا انتحارية. وذلك بعدما اكتشفوا خيانتهم، فالجماعة -وفق التقرير- كانت مستعدة للعمل مع الألمان والإيطاليين حال وصلوا إلى سدة حكم مصر.
براجماتية الاستعمار وبراجماتية البنا
بحسب فرامبتون، فإن الغرب كان يرى أن الإخوان لديهم أيديولوجية ظلامية، لكنهم حرصوا على التواصل معهم لتحقيق مكاسب سياسية على رأسها إضعاف الحركات المدنية والأحزاب والشخصيات التي تناهض الاحتلال البريطاني، أي بمعنى آخر استخدام الإخوان كعصا لضرب القوى الوطنية.
العلاقة بين الإخوان والاستعمار البريطاني كانت متوقفة على المصلحة الكاملة، فالجماعة ارتمت في أحضانهم مقابل المال، وهم فتحوا قنوات تواصل معها ودعموها لضمان ولائها واستخدامها في ضرب القوى الوطنية.
ما سبق ليست رواية مارتن فرامبتون وحده، بل أيضًا رواية المؤرخ مارك كورتيس في كتابه "شؤون سرية.. تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي" الذي صدر عام 2010، وكشف من خلاله تفاصيل الوثائق التي رفعت عنها السرية للخارجية والمخابرات البريطانية.
روى كورتيس أن ضباط ألمان ساعدوا الإخوان في بناء جناحهم العسكري في مقابل الدعوة إلى الجهاد ضد اليهود في فلسطين، واستغلالهم في سبيل وصف البريطانيين في مصر بالمستعمرين الظالمين والتحريض عليهم، وذلك عام 1936.
وأضاف أن الملك فاروق الأول قرر دعم الإخوان كقوة مضادة ضد والوفد والقوميين، ومن ثم التفت البريطانيين إلى ضرورة استغلالهم، فعقد جهاز مخابراتها عدة اجتماعات معهم لشرائهم، وبدأوا تمويلهم بحلول عام 1942.
الإخوان.. مخبرين بريطانيا وسلاحهم
مارك كورتيس أشار إلى أن الوثائق السرية التابعة للخارجية والمخابرات البريطانية، كشفت أن بعض الإخوان المقيمين في لندن يعملون مخبرين وعملاء لأجهزة أمن المملكة.
ما كتبه كورتيس بناء على وثائق بريطانيا، أكده إبراهيم منير، أمين التنظيم الدولي للإخوان الراحل، الذي استقر في لندن لسنوات طويلة.
منير قال في تصريحات سابقة عبر الجزيرة القطرية، إن مخابرات بريطانيا تراقب الجماعة منذ تأسيسها، و مطمئنون أن من يخرج عن النهج السلمي لها لا يمثلها، مؤكدًا في الوقت ذاته أن قادة الجماعة جلسوا مع أجهزة الأمن البريطانية.
وبالعودة إلى كورتيس، فإن الوثائق الاستخباراتية كشفت أنه في سبيل إقامة دولة إسلامية شعارها "القرآن دستورنا"، قدمت الإخوان نفسها بديلا للحركات القومية في مصر والشرق الأوسط.
ولأن القوميين كانوا يهددون الوجود البريطاني في مصر والشرق الأوسط، فإن بريطانيا قررت دعمهم لتحقيق مصالحها والحد من خطورة القوميين وتأمين وجودها في وجه حركات التحرر.
إذًا، كل ما سبق لا يؤكد سوى حقيقة واحدة، هي أن الإخوان تآمروا مع الاستعمار البريطاني من أجل مصالحهم، وتعاونوا مع الألمان بعد تقدمهم في مصر، واستخدمتهم قوى الاستعمار لضرب القوى الوطنية، لكن بريطانيا ليست وحدها التي جنّدت الجماعة، بل هناك كواليس أخرى نعرضها في الحلقات المقبلة.
-
05:17 AMالفجْر
-
06:50 AMالشروق
-
11:57 AMالظُّهْر
-
02:45 PMالعَصر
-
05:04 PMالمَغرب
-
06:27 PMالعِشاء
أحدث الفيديوهات
أخبار ذات صلة
أحداث هزت الغربية في 2024.. ظهور سفاحين ووفاة أسر كاملة
29 ديسمبر 2024 04:46 م
معاناة أطفال غزة.. جمعة البطران نجا من القصف فنهش جسده الصقيع
29 ديسمبر 2024 11:28 ص
مأساة رجل مسن في قنا.. أبناؤه يبيعون منزله ويطردونه إلى الشارع
29 ديسمبر 2024 10:11 ص
موهبة واعدة.. هل تكون حبيبة عصام “أفشة” جديد بالأهلي؟
27 ديسمبر 2024 05:16 م
أكثر الكلمات انتشاراً