الجمعة، 31 يناير 2025

10:06 ص

نجوى مصطفى
A A

قناصو الأهلي.. رجال في مهام صعبة لتأمين الفوز

تبدو المباريات هي أقرب الصور إلى الحروب، لكنها حروب سلمية فلا دماء تراق ولا ضحايا أو أسرى، الفائز يحظى بنشوة النصر والمهزوم يتجرع كأس المرارة وهذا كل ما في الأمر، وربما تكون الحاجة إلى اختراع كرة القدم هي إلهاء الناس عن الحروب في وقت كانت الحروب "روتين" هذا العالم اليومي وما زالت، ولذلك أُطلق على المباريات الكبرى معارك كروية!
 

ويُدرك من قرأ ولو قليلًا في علوم الحرب وتكنيكات الجيوش، أن النصر لا يتعلق فقط بالعدة أو بنوع الأسلحة ومداها، بل بمدى الروح القتالية لدى كل جندي، مدى إيمانه ببلاده وبالقضية التي يدافع عنها، ومدى حفظه للخطط وتنفيذها بأقصى دقة، لكن هذا ليس كل شيء، لأن تلك الروشتة تسير عليها كل الجيوش تقريبًا، وتصادف كثيرًا أن تحارب جيشان متماثلان في الإيمان ببلادهما وبالقضية التي يدافعان عنها وحفظهما للخطط وتنفيذها بأقصى دقة، وحتى لا يتقاتلان ويفنيان كل الأفراد، كان عليهم أن يبتكروا وسيلة تفوق، تلك الوسيلة التي تعددت ما بين الاستخبارات الجيدة، التقدم التكنولوجي، قوة القنابل، لكن ثمة وسيلة كانت دومًا حاضرة حتى مع تعدد الوسائل، تلك الوسيلة هي "القناصون" الذين يتركون الحرب ويعتلون أماكن بعينها وكل مهمتهم اصطياد القادة والجنود الماهريين وسط المعركة.
هؤلاء القناصون كانوا وما زالوا يخضعون لتدريبات فردية، فبعد تدريبهم العادي مع فرقهم العسكرية، يلتزمون بتدريب آخر، وقد يظن البعض أن التدريب سيتعلق فقط بدقة التصويب، لكن الأمر أعمق من ذلك، فالتدريب يشمل تنظيم النفس بشكل جيد، دراسة المناخ واتجاه الرياح وسرعتها بشكل معمق، القدرة على اختيار أفضل الأماكن وحساب المسافة والوقت لإنجاز مهمتهم، هذا بالطبع مع التصويب، فأي قناص يقضي وقتا طويلا ويهدر رصاصا أكثر عند التدريب حتى إن جاء وقت الحرب لا يضيع رصاصة واحدة!
أعود مرة أخرى إلى كرة القدم، وتحديدًا مباراة المصري والأهلي، ولن أكابر وأقول أن الأخير كان في غير مستواه المطلوب، ولن أكابر أكثر وأعترف أن ثمة اهتزازا داخل الأهلي بعد مباراة باتشوكا وما حدث فيها بالتحديد، لذلك دخل الفريقان للمباراة وكل منهما مماثل للآخر تقريبًا أو على الأقل لديه ما يدافع به عن نفسه، مهارات الأهلي أمام إصرار المصري، ألاعيب كولر تتحدى حماس علي ماهر، الجماهير هنا وهناك، وصدارة الدوري تُغري الجميع بالفوز، ولأن المباراة لو استمرت ربما طالت أكثر من اللازم والأوقع أن يخرج الفريقان بلا نصر، كانت الأسلحة النوعية هي الأمل الأخير للحسم.
هذا بالضبط ما حدث، فكأي قناص اتخذ يحيى عطية الله مكانه، حسب سرعة الرياح، الطبيعة الجغرافية، المسافات المطلوبة والنفس المفترض تنظيمه، ومن وراء الحائط سدد كرة محسوبة بالملي متر لدرجة لا ينفع معها الصد فهزت الشباك وتقدم الأهلي بالهدف الذي عزز فرصه في اللقاء قبل أن يسجل أفشة الهدف الثاني وينهي اللقاء. 
ما فعله يحيى عطية الله لم يكن الأول هذا الموسم، فسبقه وسام أبو علي، القناص الأقدم والذي قدم أوراق اعتماده منذ الموسم الماضي، ورغم دستة الأهداف في شباك شباب بلوزداد، لكن حتى الهدف الأول لم يكن  مطمئنا حتى تقدم وسام وسدد الهدف الثاني من ضربة ثابتة وهنا أيقن الفريق الجزائري أنه خاسر ثم فتحت المباراة على مصرعيها.
تلك الميزة لمن لا يعلم لا تأتي من فراغ ولا هي موهبة فقط، فعندما بحثت عبر المواقع الرياضية المتخصصة لأعرف كيف يمكن تسديد الكرات الثابتة وجدت أن الأمر أكبر من مجرد مهارة أو موهبة، بل أسلوب يبدأ بالتدريب الكثيف على التسديد، تنظيم النفس، ضرب الكرة من نقطة بعينها، بل والوقوف على مشط الرجل أثناء التسديد ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فهناك مرحلة أخرى وهي المتابعة والتي تستلزم ثبات الجسد أثناء خروج الكرة والوقوف بكامل قدميك بعد التسديد حتى لا تفقد الكرة بوصلتها، بالتأكيد هذا تبسيط مخل، فالأمر أعقد من ذلك وحساباته بالمللي حرفيًا، لذلك فهو أمر يشبه التدريب الذي يخضع له القناصون غير المسموح لهم بالخطأ.
على العموم في مباراتين وفي مستوى غير جيد ووسط تنافس شرس كانت الكرات الثابتة، الأسلحة النوعية لقناصي الأهلي هي القادرة على حسم الثلاث نقاط، وهو ما يعني أن الأحمر بات يملك ميزة تمكنه من النصر حتى يعود إلى روح الفريق والجماعية التي هي أساس النجاح على مدار أكثر من قرن.

search