ترامب.. مبعوث إلهي لمهمة مقدسة!
بنظرة متأنية إلى شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ربما نستوعب أنه ليس مجرد رجل أعمال نرجسي اعتاد أن يحصل على مبتغاه، كما يصوره البعض من رجال السياسية والخبراء والدعاية المضللة التي تجعلنا ندور في فلك هذا التصور لنعتقد أنه تاجر جشع يمكن إغراؤه بالمال لاستمالته وتجنب شره!!
الواقع بنظري أكثر خطورة من ذلك، فالمدقق في تصريحات ترامب ومواقفه سواء خلال فترة الترشح أو بعد تنصيبه حاكماً للقطب الأقوى في العالم، يدرك أننا نتعامل مع وضع مخيف، فالرجل يقدم نفسه كنبي في مهمة مقدسة لتخليص أمة بعينها،
وبحسب مجلة “لوبس”، فإن ترامب تحول إلى عنوان لعبادة صوفية تبشر بانجراف ديني متنام تجاه القومية المسيحية، بلغ ذروته مع محاولة الاغتيال الذي استهدفته يوم 12 يوليو الماضي.
ويمكن أن نستوعب طبيعة الرجل الذي يعيد تقسيم العالم وترتيبه حالياً بالرجوع إلى خطاب النصر الذي ألقاه بعد فوزه بالانتخابات حين قال " لقد أخبرني كثير من الناس أن الله أنقذ حياتي لسبب ما، وهو إنقاذ بلادنا وجعلها عظيمة مرة أخرى!
المدقق في تصريحات ترامب ومواقفه يدرك أننا نتعامل مع وضع مخيف، فالرجل يقدم نفسه كنبي في مهمة مقدسة لتخليص أمة بعينها
إذن نتحدث عن رجل يعتقد أنه مبعوث إلهي في مهمة مقدسة، ليست -لا سمح الله- لإرساء العدالة في الأرض، لكن لفرض هيمنة بلاده وجعلها عظيمة مرة أخرى، ومن منا بإمكانه التشكيك في أمر كهذا، فالرافضون لسياساته، يخالفون إرادة الرب!
في عام 2024 تمكن دونالد ترامب من حشد تأييد المسيحيين البيض، وهم رؤوس حركة القومية المسيحية، الذي ينحدرون فكرياً من جماعة "كو كلوكس كلان" التي تأسست بعد الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، على أيدلوجية الإيمان بتفوق العرق الأبيض، ونفذت هجمات دامية ضد الأمريكيين السود والمتعاطفين معهم على مدار أكثر من 150 عاماً راح ضحيتها الآلاف.
هذه الجماعة استمرت وتوغلت في نسيج المجتمع هناك، مع تغيير اسمها من حقبة إلى أخرى، فتبنت شعار الأغلبية الأخلاقية في عهد الرئيس الأسبق ريجان، وها هي الآن تعود في أقبح صورها بعد ترامب بما يعرف باسم حركة "ماجا" التي وفرت له دعماً غير محدود خلال الانتخابات بعد أن شعرت أنه رجلها القادر على إعادة التفوق للمسيحي الأمريكي الأبيض!
بالنسبة للقوميين المسيحيين، هناك أهداف واضحة أبرزها "توحيد الهوية الدينية" للولايات المتحدة، ووضع حد للفصل بين الكنسية والدولة، وإلغاء حق المرأة في الإجهاض، ومحاربة الأقليات النوعية والإثنية.
وبكل أسف انجرف كثيرون إلى تأييد اللغة الهجومية المغلفة بغطاء أخلاقي من جانب ترامب، غير مدركين أنها مجرد شعارات لإيمان راسخ لديه حالياً، بأنه في مهمة مقدسة لجعل بلاده وربما العالم تحت رحمة فئة بعينها مهووسة بنزعة دينية وقومية بالغة التطرف!
![](https://media.egypttelegraph.com/ArticleUpload/2025\2\9\B1HVVUyLAhL._CLa_214_1659_030853.jpg)
كثير من مؤيدي ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، لديهم هذه النزعة، وقد رفعوا شعارات منها "يسوع هو مخلصي وترامب رئيسي" وانتشرت صوره بعد أن نجا من الهجوم الفاشل برصاص القناص، مكتوباً أسفلها، "الرب وحده هو الذي منع حدوث ما لا يمكن تصوره"
وبناء على هذا المجد المرعب الذي حوله إلى إله بين أتباعه، يمكن ان نحلل تصريحات ترامب بشأن دول أخرى، فالرجل لا يراعى أدنى حدود الدبلوماسية في التعامل، معلنا أن دولة عظيمة مترامية الأطراف مثل كندا ليست إلا ولاية أمريكية أخرى، وأنه سوف يسترد قناة بنما بالقوة، ويطلب الاستحواذ على جزيرة جرينلاند، وسوف يغير اسم خليج المكسيك، وغير ذلك من قرارات صادمة جعلت العالم في حالة ذهول متسائلاً، هل هذا الإنسان طبيعي؟
المحللون أفرطوا في تحليل شخصية ترامب، وانتهوا إلى نتيجة مرتبطة بقدراته التفاوضية، وجنوحه دائماً إلى رفع سقف المطالب حتى يجبر الطرف الآخر على القبول بما خطط فعلياً للحصول عليه، لكن هل يمكن أن نختزل الواقع في هذا فقط!
أعتقد أننا نواجه ما هو أسوأ، بالنظر إلى موقفه من غزة، إذ يتحدث عن البشر وكأنهم قطيع من ماشية يستحوذ عليها راعي بقر أمريكي أبيض متطرف ويسوقها من مكان إلى آخر دون إرادة منها أو مقاومة!
لسنا مطية لأحد، ولن يفرضوا علينا إرادتهم، وبطولة أهل غزة كافية لإدراك أن الحياة دون كرامة، ليست حياة،
يتحدث عن غزة وكأنها مدينة منكوبة بكارثة طبيعية، وليس بتدمير ممنهج استمر على مدار سنة ونصف تقريباً بدعم لا محدود من بلاده، قائلاً بسماجة " سنحولها إلى ريفيرا الشرق الأوسط، ولكن يتحتم تهجير أهلها إلى مصر والأردن!!
خلال دقائق معدودة انتهى النبي الأمريكي المبشر إلى تقسيم المهام بين الدول العربية، فهناك من سيمول إعادة الإعمار، وهناك من سيستقبل أهل غزة ويؤويهم وهناك من سيساعد في ترتيب الأوضاع، أما الغنائم فمن نصيب أمريكا وإسرائيل فقط!!
![](https://media.egypttelegraph.com/ArticleUpload/2025\2\9\4LBL7RB_Fake_Trump_6_1659_032231.jpg)
لم يعد التهديد يحيق بغزة فقط، لكن امتد إلى دول الطوق مثل مصر والأردن، بل وصل إلى الأراضي السعودية، ومن ثم فمن الطبيعي أن نتوحد الآن وندرك أنه لن يشد عضدك سوى أخوك!
اللغة الدينية الفوقية التي يستخدمها ترامب تعيد إلى الأذهان ماضياً بغيضاً دموياً، وإن كان هناك ما يجب أن نشكره عليه، فهو وقوف الدول العربية التي نالها بحديثه صفاً واحداً ضد مخططه الاستعماري الذي ينسف المواثيق الدولية، ولا يعترف بسيادة الدول، وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
التصريحات والبيانات التي صدرت من مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن واضحة وقوية، تعكس مواقف شجاعة مدعومة بظهير شعبي لا يمكن أن ينكسر،
لقد حولت إسرائيل قطاع غزة إلى أرض محروقة ومدمرة كلياً، على أمل في إبادة شعبها وإضعافهم ودفعهم إلى اليأس والاستسلام ثم الرحيل، لكن أثبت الفلسطينيون أنهم لا ينكسرون، وكانوا الرهان الأنجح في هذه المعادلة الدموية رغم ضعفهم وقلة حيلتهم!
والآن، لم يعد التهديد يحيق بغزة فقط، لكن امتد إلى دول الطوق مثل مصر والأردن، بل وصل إلى الأراضي السعودية، ومن ثم فمن الطبيعي أن نتوحد الآن وندرك أنه لن يشد عضدك سوى أخوك!
مصر ردت على التهديدات الإسرائيلية ببناء دولة فلسطينية في الأراضي السعودية قائلة إن "أمن المملكة العربية السعودية الشقيقة واحترام سيادتها هو خط أحمر لن تسمح بالمساس به، وبعد استقرارها وأمنها القومي من صميم أمن واستقرار مصر والدول العربية لا تهاون فيه".
لسنا مطية لأحد، ولن يفرضوا علينا إرادتهم، وبطولة أهل غزة كافية لإدراك أن الحياة دون كرامة، ليست حياة،
ويجب أن نشكر النبي ترامب على رسالته المقدسة، إذ ردت إلينا روحاً ضلت، وبثت فينا عزيمةً فترت، ورسخت التفاف الشعوب حول قيادتها .. وللحديث بقية
![title title](/images/title2.png)
الأكثر قراءة
![title title](/images/title.png)
مقالات ذات صلة
حين يحل السوريون بأرض..؟
02 فبراير 2025 04:48 م
المستشار محمد نجيب يكتب: تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.. يا للوقاحة!
27 يناير 2025 12:19 م
قبل أن تخسر الجلد والسقط!
01 يناير 2025 08:49 م
صور عارية.. وخطر أقرب مما نتصور!
23 ديسمبر 2024 05:19 م
أكثر الكلمات انتشاراً