الخميس، 06 مارس 2025

05:26 ص

المشاكل النفسية.. من الحب وإلى الحب!

مع اقتراب عيد الحب، تستحضرني كلمات الدكتور مهاب الشهيرة في فيلم "حب البنات" حين قال: "اكتشفت إن كل المشاكل النفسية سببها واحد... الحب".

لم تكن تلك الجملة مجرد قول عابر، بل كانت مفتاحًا لفهم أعمق لنفس الإنسان. فقد أشار إلى أن الحب، في جميع أشكاله، هو الجذر الذي ينبع منه الكثير من معاناتنا النفسية.. سواء كان حبًا غير متبادل، أو حبًا مشروطًا، أو حتى حبًا مفرطًا للذات أو غيابًا تامًا له.. كل هذه الأنماط قد تتسبب في اضطرابات نفسية معقدة، بحيث تترابط مشاكلنا النفسية مع طريقة تعاملنا مع الحب وآثاره في حياتنا.

الحب ليس مجرد شعور عابر، بل هو القوة التي تشكل وجودنا النفسي، إنه يرافقنا منذ الطفولة، عندما نكتسب أولى دروسنا في الإحساس بالقبول والأمان داخل أسرتنا، ليواصل تأثيره مع تطور علاقاتنا الاجتماعية والعاطفية.

على مر الزمن، يصبح الحب محركًا أساسيًا لتكوين هويتنا النفسية، وهو المؤثر الذي يحدد طريقة تفاعلنا مع العالم من حولنا، ما من مجال في حياتنا لا يطاله تأثير الحب، فالعلاقات العاطفية تمثل جزءًا مهمًا من طموحاتنا، وآمالنا، حتى شخصياتنا.

علميًا، الحب ليس مجرد شعور عاطفي؛ بل هو حالة نفسية معقدة تنعكس على الجسم، فالدراسات تشير إلى أن الحب يعزز إفراز هرمونات مثل الأوكسيتوسين والدوبامين، والتي تحسن المزاج وتدعم الترابط الاجتماعي.. هذه المواد الكيميائية لا تؤثر في مشاعرنا فقط، بل تُعد عاملًا محوريًا في سلوكياتنا اليومية، ما يعزز قدرتنا على التفاعل الإيجابي مع الآخرين وبناء شبكة دعم عاطفي قوية.

على النقيض، غياب الحب أو حدوثه بطريقة سلبية قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب، حيث يُعتبر الفقد العاطفي من أبرز الأسباب التي تضعف الصحة النفسية.

لكن الحب، كما يمكن أن يكون مصدرًا للشفاء النفسي، يمكن أن يكون أيضًا سلاحًا مدمرًا إذا اختل توازنه، فالدراسات النفسية تظهر أن الأفراد الذين يواجهون صعوبة في بناء علاقات حب صحية، سواء بسبب غياب التواصل العاطفي السليم أو صعوبة حب الذات، قد يعانون من اضطرابات نفسية شديدة.. على سبيل المثال، اضطراب القلق الاجتماعي يرتبط بالشعور بعدم القدرة على إقامة علاقات صحية، أو بالقلق المستمر من الرفض.. أما اضطراب الشخصية النرجسية، فيمكن أن يكون نتيجة لمحاولة تعويض النقص الداخلي بحب مفرط للذات، ما يعزل الشخص عن العالم ويخلق فجوة نفسية عميقة.

من جانب آخر، فإن الحب غير المشروط، سواء من الذات أو من الآخرين، يمكن أن يشكل بيئة نفسية صحية تعزز الثقة بالنفس وتوطد العلاقات العاطفية.

يمكن أن يصبح الحب مرشدًا يساعدنا في التغلب على التحديات الحياتية ويمنحنا القوة للاستمرار رغم تقلباتها، لكن الحب المشروط أو المفقود قد يتحول إلى مصدر دائم من الألم، يترك بصمات عميقة في النفس.. في هذه الحالة، يصبح العلاج النفسي هو الطريق الأمثل لفهم جذور هذا الألم ومعالجة جراح الحب غير المتوازن.

وفي الختام، يبقى الحب ذلك الشعور الذي يسهم بشكل جوهري في تشكيل كياننا النفسي، ويؤثر بشكل عميق على استقرارنا الداخلي.. إنه الرابط البيولوجي الذي يعزز من قدرتنا على التكيف مع التحديات الحياتية، والآلية النفسية التي تدفعنا للتواصل مع الآخرين في علاقات أكثر صحة وفاعلية. 

من خلال الحب، نكتسب القدرة على تجاوز الأزمات النفسية وإيجاد المعنى في تجاربنا. قد لا يكون تجربة خالية من التعقيد أو التحديات، لكنه في جوهره يمثل أساسًا من الأسس التي تُسهم في تعزيز الصحة النفسية والعاطفية، فعندما نختبر الحب بصدق، نتمكن من تحويل الصعوبات إلى فرص للنمو النفسي، والتعلم من التجارب التي تمر بنا، ما يعزز من مرونتنا النفسية وقدرتنا على التعامل مع ضغوط الحياة بطرق أكثر تكيفًا وفعالية.

search