
"لام شمسية".. اختبار نفسي لكل مشاهد!
نجح مسلسل "لام شمسية" في أن يكون مرآة أمام واقع مليء بالندوب، فهو ليس مجرد قصة تُروى، بل شهادة حيّة على حقائق تُرتكب في الظل، حيث يكون الضحية طفلًا، والجلاد في كثير من الأحيان شخصًا كان يُفترض أن يكون مصدراً للأمان.
قد يبدو الحديث عن التحرش بالأطفال وكأنه يُثار اليوم بسبب انفتاح الإعلام، ولكن الحقيقة أن هذه الجريمة أقدم من قدرتنا على تسميتها. الفرق الوحيد أن وسائل التواصل الاجتماعي فتحت الستار عن حجم الكارثة، وأعطت الضحايا صوتًا بعد أن كانوا يختبئون في صمت.
علم النفس يؤكد أن الاعتداء على الطفل لا ينتهي عند لحظة الجريمة، بل يُرافقه في لاوعيه لسنوات، قد يُنكر، قد يدفن الذكرى في أعماق عقله، لكنه سيظل يحملها مثل ظلٍ ثقيل. هذا ما يُجسّده العمل بعبقرية؛ فهو لا يركز فقط على الحدث، بل على التداعيات النفسية طويلة المدى. كيف ينظر الشخص لذاته بعد الاعتداء؟ كيف تتشكل علاقاته بالآخرين؟ كيف يتحول الخوف إلى جدار يعزله عن العالم مهما ادعى العكس. وهذا ما بدا واضحا لحد الآن في شخصية نيلي التي تلعبها أمينة خليل بحرفية عالية جداً، وهي تعاني في صمت بسبب تجاوزات تمت في حقها في فترة ما، حوّلتها لشخص رافض للحياة العاطفية دون إدراك منها أو وعي.
علم الاجتماع يشرح لنا أن المجتمعات تميل إلى التغافل عمّا يؤلمها، وكأن عدم الحديث عن المشكلة سيجعلها تختفي، لكن الحقيقة أن الإنكار يُغذيها أكثر. في مجتمعاتنا، الصمت هو الحليف الأول للمعتدي، حيث يتردد الأهل في تصديق أطفالهم أحيانًا، أو يخشون "الفضيحة"، فيكون الضحية هو من يُعاقَب، بينما ينجو الجاني بصمته وخوف المجتمع من المواجهة.
المسلسل يكشف كيف أن الوحش لا يأتي من الخارج دومًا، بل قد يكون أقرب مما نتصور، معلمًا، قريبًا، أو حتى شخصًا داخل دائرة الثقة. وهذه واحدة من الحقائق المرعبة التي تجعل البعض ينفر من مواجهة الواقع، لأن الاعتراف بها يعني الاعتراف بكمّ الثغرات التي يجب سدّها.
ما يميز "لام شمسية" أنه لا يعرض الحدث كقصة نتابعها من بعيد، بل يُجبر المشاهد على التفاعل معها نفسيًا. من الناحية العلمية، المشاعر التي تثيرها المشاهد ليست مجرد رد فعل عابر، بل مؤشر على ما تحمله ذاكرتنا العاطفية.
فإن شعرت بالخوف أو الغضب الشديد، فقد تكون شاهدت أو سمعت عن حادثة مشابهة في طفولتك، حتى لو كنت لا تذكرها بوضوح. وإن شعرت بعدم الارتياح أو الرغبة في تغيير الموضوع، فقد يكون عقلك الباطن يهرب من مواجهة تجربة أو مخاوف دفينة. إن كنت من الذين يبررون تصرفات بعض الشخصيات في العمل أو يحاولون التقليل من فداحة الجريمة، فقد تكون جزءًا من منظومة التطبيع مع الأذى دون أن تدرك ذلك. ويمكن اعتماد المسلسل كاختبار نفسي واجتماعي، يفضح ما نخفيه عن أنفسنا قبل أن يُعرّي الحقائق على الشاشة.
لا يمكن لعمل درامي أن يُصلح مجتمعًا بأكمله، لكنه يستطيع أن يُحدث الصدمة الأولى التي تدفع نحو التغيير. الأثر الذي يتركه "لام شمسية" لا يكمن فقط في قصته، بل في قدرته على جعلنا نتحدث، ونتساءل، ونعيد التفكير في دورنا.
هل نُعطي أطفالنا مساحة للحديث دون خوف؟
هل نُعلمهم أن الثقة لا تُمنح دون وعي، وأن أقرب الناس قد يكونون مصدر خطر؟
هل نتوقف عن الصمت الذي يحمي الجناة بدلًا من الضحايا؟
الحقيقة القاسية هي أن الدراما تستطيع أن تكشف المشكلة، لكن الحل يبدأ منّا نحن. من اختيارنا ألا نغضّ الطرف، من قدرتنا على حماية الأطفال، ليس فقط بإحاطتهم بالحب، بل أيضًا بالوعي. فالمجرم الأول ليس فقط من يرتكب الجريمة، بل أيضًا من يختار تجاهلها.

مقالات ذات صلة
أسعد النرجسي.. ملِك الاضطراب النفسي!
17 مارس 2025 03:14 م
"ولاد الشمس"- الأيتام بين العطاء والخذلان !
10 مارس 2025 02:03 م
التقلقل العاطفي في "الكابتن".. عندما يصبح الضحك اضطراباً!
04 مارس 2025 12:07 م
سيكولوجية "نكد المرأة"!
24 فبراير 2025 11:52 ص
أكثر الكلمات انتشاراً